المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

432

الأهمّ والمهمّ، وبعد الكسر والانكساريجعل الحكم الظاهري، وترجيح أحد الجانبين على الآخر تارةً يكون بلحاظ سنخ المحتمل واهمّيّته، واُخرى بلحاظ درجة الاحتمال وقوّته. ففي باب أصالة الحلّ وأصالة الاحتياط لاحظ المولى سنخ المحتمل، وهو الحلّيّة أو الحرمة، وهذا روح الأصل المحض. وفي باب حجيّة خبر الواحد والظهور لم يلاحظ المولى ذلك، فإنّ المولى جعل بنحو القضية الحقيقية خبر الثقة مثلاً حجّة سواء فرض مدلوله الحلّيّة أو الحرمة أو أيّ شيء آخر، فالملحوظ ليس هو خصوصية في سنخ المحتمل ابداً وانما الملحوظ هو غلبة صدق خبر الثقة وقوّة الاحتمال حسب نظر المولى إلى أفراد خبر الثقة بنحو القضيّة الحقيقيّة. وهذا هو روح الامارة المحض، ولا فرق في ذلك كلّه بين أن يجعل الحكم بلسان جعل الكاشفيّة والطريقيّة، أو جعل اقتضاء الجري العملي، أو جعل التنجيز والتعذير، أو أي شيء آخر، وإنّما كلّ هذه قشور وألفاظ، وليست هي الفارق الحقيقي بين الأمارات والاُصول. نعم، يكون لسان جعل الطريقية وقوله: (ليس لأحد التشكيك فيما يروي عنّا ثقاتنا) أنسب من ألسنة اُخرى بلاغيّاً بالأمارات باعتبار النظر فيها إلى قوّة الاحتمال.

وإذا عرفت روح الأمارة المحض، وروح الأصل المحض قلنا: إنّ الأمارة بعد أن فرض أنّ المنظور في حجيّتها ليس إلاّ درجة كشفها، ولم تلحظ أيّ خصوصيّة في جانب المحتمل، فلا محالة تصبح لوازمها حجّة ؛ لأنّ درجة الكشف نسبتها إلى المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي على حدّ سواء، والمفروض أنّها هي العلّة التامّة لجعل الحجيّة، ولم تلحظ أيّ خصوصيّة في جانب المحتمل، ولذا لو قامت الأمارة على ذاك المدلول الالتزامي لكان حجّة. وعليه، فتثبت هذه اللوازم بنفس ملاك ثبوت المدلول المطابقي.

وأمّا في جانب الاصول فليس الأمر كذلك، فلو فرضت ملازمة مثلاً بين حلّيّة العصير العنبي إذا غلى ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال واثبتنا الحلّيّة بالأصل، فهذا الأصل إنّما جرى بلحاظ أهميّة المحتمل، وهو الحلّيّة وعدم الإلزام، ولا ملازمة بين أهميّة الحليّة من الحرمة وأهميّة وجوب الدعاء من عدم الوجوب، ولو كان المحتمل في جانب اللازم من سنخ المحتمل في جانب المدلول المطابقي، كما لو فرضت الملازمة بين حلّيّة العصير العنبي وحلّيّة شيء آخر كالعصير التمري مثلاً، فالمحتمل في جانب اللازم بنفسه مصداق لدليل حجّيّة الأصل، وتجري فيه أصالة الحلّ، ولو فرض أنّه لم يكن مصداقاً لأصالة الحلّ وكان دليل أصالة الحلّ مختصّاً بالعصير العنبي إذن لا نعلم أنّ الحلّيّتين من سنخ واحد في درجة أهميّة المحتمل، هذا كلّه في الأمارة المحض والأصل المحض.