المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

436

الصرف، وأمّا الاستصحاب فهو وإن كان موجوداً ـ أيضاً ـ في ارتكاز العقلاء، لكنّه لم يعلم كونه في ارتكازهم بلحاظ الطريقية إن لم يعلم خلافه، فإنّ الظاهر أنّ الاستصحاب والجري على الحالة السابقة والبناء عليها يرجع إلى لون من العادة واُنس الذهن والميل النفسي وما شابه ذلك، لا إلى الكشف والطريقية ؛ ولذا يقال: إنّ ارتكازيّة الاستصحاب مشتركة بين الإنسان والحيوان، فلا يوجد هنا ارتكاز عقلائي يجعل دليل حجيّة الاستصحاب ظاهراً في الطريقية المحض، كما أنّ لسان دليل حجيّته وهو النهي عن النقض العملي ليس بنفسه ظاهراً في ذلك، كما أنّه لا يوجد في دليل الاستصحاب إطلاق يشمل اللوازم، إذن فلوازم الاستصحاب غير حجّة، وسيأتي تحقيق حال الاستصحاب بشكل أوسع في المقام الثاني ـ إن شاء الله ـ .

وأمّا الاتّجاه الثاني: وهو الاتّجاه القائل بأنّ الفرق بين الأمارات والاُصول فرق إثباتي، فهو ما ذهب إليه المحقّق الخراساني (رحمه الله) والسيّد الاُستاذ، على فرق بينهما في التقريب.

فالمحقّق الخراساني (رحمه الله) ذكر: انّ مصبّ الحجيّة في باب الأمارة هو الحكاية، وخبر الثقة كما يحكي عن المدلول المطابقي كذلك يحكي عن المدلول الالتزامي، فإنّ الحكاية لا تختصّ بالدلالة المطابقية، وعلى هذا الأساس تصبح لوازمه حجّة، وهذا بخلاف الاُصول(1).

وأورد السيّد الاُستاذ على ذلك بأنّ الحكاية فرع القصد، والمخبر قد لا يقصد اللوازم، بل قد لا يكون ملتفتاً إليها، أو يتخيّل عدم الملازمة، ومع ذلك يقال بحجيّة اللوزام(2)، وذكر ـ دامت بركاته ـ أنّ الوجه في حجيّة لوازم الخبر هو أنّ دليل حجيّة الخبر هو السيرة، والسيرة كما قامت على العمل بمدلوله المطابقي كذلك قامت على العمل بمدلوله الالتزامي، ولا يوجد شيء من هذا القبيل في باب الاُصول(3).

أقول: إنّ الفرق بين الأمارات والاُصول الذي جعل لوازم الأمارات حجّة ولوازم الاُصول غير حجّة هو أعمق ممّا ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله) من كون موضوع الحجيّة هو الحكاية، فالشهرة مثلاً ـ بناءً على حجيّتها بدليل قوله: (خذ بما اشتهر بين أصحابك) ـ تكون لوازمها حجّة، مع أنّ الشهرة تختصّ بالمدلول المطابقي، وقد لا تكون اللوازم مشهورة.

كما أنّ الفرق أعمق ممّا ذكره السيّد الاُستاذ الذي لا يأتي في مثل الشهرة بناءً على


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 329 بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقات المشكيني.

(2) راجع مصباح الاُصول ج3 ص153.

(3) المصدر السابق ص155.