المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

438

الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة أثر شرعي أو عقلي

المقام الثاني: في الأمر الثاني وهو الفرق بين الآثار المترتّبة على المستصحب بواسطة أثر تكويني كنبات اللحية مثلاً والآثار الشرعية المتسلسلة المترتّبة على المستصحب، وهذا الفرق مشهور على لسان المحقّقين المتأخرين.

ويقع الكلام في أنّه كيف يفترض لسان دليل الاستصحاب بحيث ينسجم مع كلا هذين الأمرين، اعني عدم ثبوت الآثار الشرعية التي تكون بواسطة أثر تكويني من ناحية، وثبوت الآثار الشرعية التي تكون بواسطة أثر شرعي آخر من ناحية اُخرى؟

وهنا افتراضان في تصوير مفاد دليل الاستصحاب.

الافتراض الأوّل: ما هو مختار المحقّق الخراساني (رحمه الله) من أنّ مفاد دليل الاستصحاب هو تنزيل المشكوك منزلة الواقع، من قبيل تنزيل الطواف بالبيت منزلة الصلاة، إلاّ أنّ ذاك تنزيل واقعي وهذا تنزيل ظاهري، ومعنى التنزيل هو ترتيب أثر المنزل عليه على المنزّل، وجعل المنزّل كأنّه المنزل عليه في الأثر، ولكن هنا في الحقيقة لم يترتّب أثر المنزل عليه على المنزّل، فإنّ أثر بقاء حياة زيد المستصحب حياته إنّما هو مثلاً جواز التقليد واقعاً، والذي يترتّب على الحياة المشكوكة إنّما هو جواز التقليد ظاهراً، وهذا غير ذاك، إلاّ أنّه كانّه هو ذاك، وهو مثله، وهذا معنى ما يقوله المحقّق الخراساني (رحمه الله)من أنّه يكون المجعول في باب الاستصحاب هو الحكم المماثل.

وهذا الافتراض يكون توضيح انسجامه مع عدم ثبوت الآثار الشرعية المترتّبة بواسطة أثر تكويني بأن يقال: إنّ الأثرالتكويني لا يثبت بهذا التنزيل، فإنّ التنزيل إنّما يفيد التوسعة في دائرة ما يكون بيد المولى المُنزِل بما هو مولى، والأثر التكويني ليس هكذا، وإذا لم يثبت الأثر التكويني لم يثبت ما تترتّب عليه من آثار لعدم ثبوت موضوعها وجداناً ولا تنزيلاً.

يبقى أن يُقال: إنّ تلك الآثار الشرعية هي آثار للمستصحب ؛ لأنّها آثار لأثر المستصحب، وأثر الأثر أثر لذلك الشيء، إذن فلتثبت تلك الآثار بواسطة استصحاب المستصحب ابتداءً من دون توسيط إثبات الأثر التكويني، وهنا يقول المحقّق الخراساني(رحمه الله): إنّ دليل الاستصحاب لا يشمل هذا الأثر الذي هو أثر بالواسطة، للانصراف، أو أنّ القدر المتيّقن هو الأثر بلا واسطة(1).


(1) راجع الكفاية ج2 ص327 بحسب الطبعة المشتملة في الحواشي على تعليقات الشيخ المشكيني.