المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

44

تهافت في الكلام.

وأذكُر من بحث السيد الاُستاذ: أنّه حينما وقع في مثل هذا الشيء أجاب بأنّ المقصود من الارتكاز هنا إنّما هو ارتكاز قاعدة: أنّ الشخص لا يرفع اليد عن طريق غير مخطور الى طريق مخطور عند ما يواجه طريقين من هذا القبيل، وهذه القاعدة لا إشكال في ارتكازيّتها(1).

أقول: يرد على هذا: أنّه وان كانت هذه القاعدة ارتكازية لكنّه لو اُريد تطبيقها في المقام تطبيقاً حقيقيّاً فغير ممكن؛ لأن العمل باليقين السابق ليس سلوكاً لطريق غير مخطور واقع في مقابل طريق مخطور؛ إذ المفروض احتمال الانتقاض، فالعمل به ـ أيضاً ـ سلوك لطريق مخطور. ولو اُريد دعوى: أنّه طبّقت هذه القاعدة في المقام تعبّداً كان ظهور هذا الكلام في كونه اشارة الى أمر ارتكازي معارضاً بظهوره في كون التطبيق حقيقياً لا تعبدياً.

هذا، مضافاً إلى أنّه لو حمل ذلك على قاعدة ارتكازية طبّقت في المقام تعبّداً فلا يمكن الاستفادة من ارتكازيته بالتعدّي إلى غير المورد؛ لأنّها وإن كانت ارتكازيّة ولكن تطبيقها كان تعبدياً، ولابدّ من الاقتصار في التعبّد على المورد.

نعم، يمكن التمسّك بالارتكاز في مقام التعميم مع فرض البناء على ما ذكروه من إنكار ارتكازية الاستصحاب بدعوى: أنّ الميل إلى البناء على الحالة السابقة وإن لم يكن بدرجة يصبح ارتكازاً عقلائياً للاستصحاب ولكنه يكون بدرجة تشكّل ارتكاز عدم الفرق بين مورد ومورد، فإذا ورد دليل على الاستصحاب في مورد اُلغيت خصوصية المورد بارتكاز عدم الفرق.

الوجه السادس: أنّ الخصوصيّة المأخوذة في العلّة إذا كانت منتزعة من المورد كان تصدّي المولى للتعليل ظاهراً عرفاً في إلغاء تلك الخصوصية، وذلك كما في قوله:(لا تشرب الخمر لانه مسكر، أو لإسكاره، أو لإسكاره بالتخمّر)، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّ خصوصية الوضوء منتزعة من المورد.

ويرد عليه: أنّ هذا إنْ تمّ فإنّما يتمّ في ما لو كانت الخصوصية ثابتة في نفس الجملة المعلَّله الواردة في الكلام، ولا يكفي مجرد ثبوتها في المورد، وفي المقام لا يكون الوضوء الذي هو متعلّق اليقين مأخوذاً في المعلَّل، فإنّ المعلّل هو عدم وجوب الوضوء، فكأنّه قال:(وإلاّ فلا


(1) راجع مصباح الاُصول: ج 3، ص 19.