المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

443

إثبات الأثر، كما هو الحال على مسلك التنزيل حتّى يقال: إنّ الإطلاق الحكمي لذلك يشمل كلّ آثار المستصحب مثلاً ولو مع الواسطة، وإنّما كان ذلك بملاك دلالة الاقتضاء التي يقتصر فيها على المقدار الرافع لمحذور اللغوية، بل هنا نترقّى أزيد، ونقول: إنّ الأثر الأوّل ـ أيضاً ـ لا يثبت ؛ إذ لا يلزم من عدم ثبوته لغوية دليل الاستصحاب ؛ لأنّ دليل الاستصحاب ليس مورده أمراً تكوينياً يلغو التعبّد به إلاّ بلحاظ إثبات الأثر تعبداً، وإنّما مورده في بعض رواياته الطهارة الحديثية، وفي بعضها الطهارة الخبثية، وسوف يأتي ـ إن شاء الله ـ إنّ استصحاب الطهارة ليس بلحاظ ترتّب أثر عمليّ شرعيّ عليه، وهو عدم وجوب إعادة الصلاة، وإنما يجري استصحاب الطهارة بلحاظ ما يترتّب عقلاً على نفس الاستصحاب، من عدم كون المكلّف ملزماً بالإعادة، فإنّ الطهارة كانت شرطاً للواجب، لا موضوعاً للحكم.

إن قلت: إنّنا نثبت الأثر الشرعي المترتّب على المستصحب تمسكاً بنفس دليل ذلك الأثر، من باب ثبوت موضوعه بالاستصحاب، فمثلاً لو دلّ الدليل على وجوب التصدّق عند حياة زيد فنحن قد أثبتنا حياته بالاستصحاب، وعندئذ نتمسّك لإثبات وجوب التصدّق بعموم ذاك الدليل الدالّ على أنّه كلّما كان زيد حيّاً وجب التصدّق، فيثبت الأثر المقصود.

قلنا: لو كان الاستصحاب موسِّعاً لدائرة موضوع الحكم واقعاً ودالّاً على أنّ المقصود من كلمة (الحياة) في لسان الشارع هو ما يعمّ الحياة الواقعية والحياة المحتملة البقاء صحّ التمسّك عندئذ بدليل وجوب التصدّق عند حياة زيد، لكنّ المفروض أنّ الاستصحاب ليست له حكومة واقعية، وإنّما هو حكم ظاهري، وموضوع دليل وجوب التصدّق إنّما هو الحياة الواقعية، لا الحياة التعبّدية، فلا يمكننا أن نثبت بالجمع بين هذه الصغرى التعبدية وهي الحياة المتعبّد بها والكبرى الواقعية وهي وجوب التصدق عند الحياة الأثر المطلوب، وهو فعلية الوجوب.

وتحقيق الكلام في هذا المقام هو: أنّ المشكلة إنّما استفحلت في المقام مبنيّاً على التصوّر الميرزائي، والمتعارف من افتراض أثر شرعي للمستصحب نحتاج إلى إثباته حتّى يتنجّز علينا عقلاً، فنتكلم في أنّه كيف يمكن إثبات ذلك الأثرمع كون المدلول المطابقي لدليل الاستصحاب إنّما هو إثبات ذات المستصحب لا أكثر، وهذا التصوّر بحسب التدقيق غير مطابق للواقع، وبعد رفع اليد عنه تنحلّ المشكلة بكمال السهولة، ويتّضح الفرق بين الآثار الشرعية المتسلسلة والأثر الشرعي المترتّب بواسطة أثر تكويني، ولتوضيح المقصود