المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

45

يجب عليه الوضوء، فإنّه على يقين من وضوئه).

نعم، هذا الشيء المعلَّل مورده هو فرض اليقين بالوضوء، لكن هذا المقدار غير كاف لإلغاء الخصوصيّة(1).

 


(1) قد تقول: هذا الكلام غير واضح؛ لأَن خصوصيّة الوضوء كانت ثابتة في الجملة المعلَّله، وهي مثلاً جملة: (لا يجب عليه الوضوء).

نعم، اليقين بالوضوء لم يكن ثابتاً فيها، وهذا تماماً من قبيل: (لا تشرب الخمر لأَنّه مسكر)؛ فإنّ الخمريّة كانت مذكورة في الجملة المعلَّله، ولكن مسكريّة الخمر لم تكن مذكورة فيها، فكما يقال في هذا المثال: إنّ العلّة هي المسكريّة لا مسكرية الخمر، كذلك فلنقل في المقام: إنّ العلّة هي اليقين لا اليقين بالوضوء.

والجواب: أنّ الوضوء المأخوذ في الجملة المعلَّلة يحتمل أن يكون غير الوضوء المذكور في العلّة؛ لأَنّ الوضوء المذكور في العلّة عبارة عن الوضوء السابق، أمّا الوضوء المذكور في الجملة المعلَّلة فقد يكون عبارة عن وضوء جديد، وذلك إذا فرضنا التقدير: (لا يجب عليه الوضوء). نعم، لو فرضنا التقدير مثلاً: (فوضوؤه باق) اتّحد الوضوءان، لكن الشكّ والتردّد بين التقديرين كاف في عدم إمكانيّة التعدّي.

والواقع: هو أنّ مقياس التعدّي عن خصوصية موضوع الجملة المعلّلة هو أن لا تكون تلك الخصوصية في الجملة المشتملة على العلّة إلاّ بأن يكون موضوعاً في تلك الجملة، فتلك الخصوصية إن لم تكن مأخوذة في العلّة أصلاً فالتعدي يكون واضحاً؛ لأن العلّة غير مقيّدة بها، فتفيد العموم لا محالة، وإن كانت مأخوذة في جملة العلّة على شكل الموضوع حمل العرف ذلك على كونه هو الأصغر، والمحمول هو الأوسط، فقوله: (يحرم الخمر لأنّه مسكر) يحمل على أنّ ذكر الخمر في جملة العلّة، أعني: (أنّه مسكر) إنّما كان لأجل كونه هو الحدّ الأصغر، فأراد حمل الأوسط على الأصغر لا لأجل كونه قيداً في العلّة.

ولا فرق في هذا المقياس بين أن تكون تلك الخصوصية مأخوذة في الجملة المعلّله، أو تكون مورداً لها، فلو قال: (لا تأكل الرمان؛ لأنّه حامض) اُلغيت خصوصية الرمان المأخوذة في الجملة المعلّله؛ لأنّها غير ماخوذة في محمول الجملة التي بيّنت العلّة. ولو قال مشيراً الى الرّمان: (لا تأكل هذا؛ لأنّ الرمان حامض) اُلغيت ـ أيضاً ـ خصوصية الرّمان لنفس النكتة رغم أنّ خصوصية الرّمان لم تكن مأخوذة في الجملة المعلّلة، بل كانت مورداً لها. ولو قال: (لا تأكل هذا الرمان؛ لأنّه رمّان حامض) لم تلغ خصوصية الرمان؛ لأنّها اُخذت في محمول الجملة المبيِّنة للعلة، فأصبحت قيداً في الأوسط. ولا نقصد بالموضوع والمحمول ما يكون كذلك في مصطلح علم النحو في صياغة المبتدأ والخبر، أو الفعل والفاعل، بل كلّما يراه العرف في قوّة ذلك دخل في الحساب، فلو قال مثلاً: (لا تشرب الخمر لإسكاره)، أو قال: (لا تأكل الرمان لحموضته)، أو قال مشيراً الى رمّان: (لا تأكل هذا لحموضة الرمان) قلنا أيضاً: إنّ الخمر أو الرمّان: موضوع، وهو الأصغر، والسكر أو الحموضة هو الأوسط المحمول على الأصغر، فالمقياس في تشخيص ذلك هو الذوق العرفي، لا محض صياغة الكلام.

إذا عرفت ذلك قلنا: إنّ فيما نحن فيه وإن كان قيد الوضوء مأخوذاً بلحاظ صياغة الكلام في المحمول لا في الموضوع، ولكن لقائل أن يقول: إنّ العرف يفرضه موضوعاً وحدّاً أصغر، فكأنّه قال: وإلاّ فوضوؤه متيقّن، كما أنّ لقائل أن يقول: إنّ الموضوع والحدّ الأصغر عبارة عن الضمير في قوله: «فإنّه» أي: هو على يقين من وضوء، وكلّ من كان على يقين من وضوء لا ينقض يقينه بالشكّ، فعلى الثاني لا يدّل الحديث على أكثر من الاستصحاب في