المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

450

ذكر الشيخ الأعظم (قدس سره): أنّه مع خفاء الواسطة يجري الاستصحاب بمسامحة العرف، وأمضى ذلك المحقّق الخراساني (رحمه الله).

وأما المحقّق النائيني (رحمه الله) فلم يقبل ذلك، وذكر: أنّ خفاء الواسطة أو بعض الارتكازات ومناسبات الحكم والموضوع(1) إن أوجب في دليل ذلك الحكم ظهوراً في كونه مترتباً رأساً على نفس المستصحب، إذن لم نحتج إلى التمسّك في إجراء الاستصحاب بخفاء الواسطة ؛ إذ الأثر الشرعي صار حقيقةً أثراً للمستصحب، فيجري الاستصحاب بلحاظه، وإلاّ فلا يجري الاستصحاب، ولا عبرة بمسامحة العرف في مقام التطبيق بعد أن كان مفهوم دليل الاستصحاب ومفهوم دليل ذلك الحكم واضحاً، فمفهوم دليل الاستصحاب هو ترتّب الآثار التي تكون آثاراً للمستصحب بلا واسطة تكوينية، ومفهوم دليل ذلك الحكم هو أنّه حكم على الواسطة لا على المستصحب، ونتيجة ذلك ـ لا محالة ـ عدم جريان الاستصحاب.

وتحقيق الكلام في هذا المقام بعد افتراض أنّه ليست هنا ارتكازات ومسامحات تجعل دليل الحكم ظاهراً في كونه حكماً للمستصحب، وإلاّ لما كان من الاستصحاب المثبت الخفي الواسطة، وإنّما دليل الحكم ظاهر في كونه حكماً لتلك الواسطة الخفية: أنّ المباني المتصورة في عدم حجيّة الاستصحاب حينما يكون الاثر بواسطة أمر تكويني عديدة:

الأوّل: ما اخترناه من أنّ الاستصحاب لا ينظر في لسانه إلى التعبّد بالأثر ولو كان مباشراً، وإنّما يثبت تعبداً نفس المستصحب، ويترتّب على ثبوته وثبوت الكبرى التنجيز، وعندئذ من الواضح عدم جريان الاستصحاب في موارد خفاء الواسطة ؛ إذإنّ خفاء الواسطة لا يجعل الأثر الشرعي أحسن حالاً من الأثر المباشر، والاستصحاب بمدلوله اللفظي لا يثبت الأثر المباشر، غاية ما هناك أنّ العقل يحكم بترتّب التنجيز عند إحراز صغرى التكليف وكبرى التكليف معاً، ومن الواضح أنّ العقل لا يحكم بالتنجيز حينما اُحرزت الكبرى ولكن لم تحرز الصغرى، وإنّما اُحرز تعبداً شيء تكون الصغرى أثراً تكوينياً خفيّاً له، والمفروض أنّ التعبّد الاستصحابي بالشيء ليس مساوقاً للتعبّد بأثره.


(1) ذكر (رحمه الله): أنّ الظاهر أنّ عبارة التقرير تلائم كون المراد افتراض أنّ خفاء الواسطة سبّب ظهور دليل الحكم في كونه مترتّباً على المستصحب (وقال(رحمه الله): هذا غير معقول ؛ لأنّ الواسطة مهما كانت خفيّة يكون أخذها في لسان الدليل تنبيهاً للعرف إليها، ولا معنى لصرف الدليل إلى ما تترتّب عليه هذه الواسطة) وتلائم كون المراد افتراض أنّ بعض الارتكازات سبّب هذا الظهور (وقال (رحمه الله): إنّ هذا يصبح كلاماً غير مرتبط بما نحن فيه نهائياً ؛ إذ لا علاقة له بخفاء الواسطة).