المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

454

فإذا اتّضح أنّ استصحاب بقاء أوّل الشهر لا يفيدنا، وأردنا الرجوع إلى استصحاب بقاء شهر رمضان في اليوم الثلاثين، لم يبق أمامنا لحلّ إشكال الإثبات إلاّ كلامان:

الكلام الأوّل: إنّ عنوان أوّل الشهر هل وضع لمعنى بسيط لا يثبت بالاستصحاب، أو أنّ معناه ـ في الحقيقة ـ مركّب من أن يكون اليوم يوماً هلّ هلال شوّال في ليلته وأن لا يهلّ الهلال في ما قبلها، وأحد الجزئين ثابت بالوجدان وهو الجزء الأوّل، والآخر ثابت


وحينما بلغ اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) هذا الكلام أورد عليه:

أوّلاً: أنّ استصحاب الفرد القصير لا يثبت أن الكلّي المعلوم بالإجمال متحقّق في ضمن الفرد القصير دون الطويل، فإنّ هذا إثبات لمفاد كان الناقصة باستصحاب مفاد كان التامّة.

وثانياً: أنّه لو ثبت بالاستصحاب أنّ الكلّي الموجود إنّما هو في ضمن القصير دون الطويل، قلنا: إنّ ترتّب ارتفاع الكلّي على كونه موجوداً في ضمن القصير دون الطويل ـ أيضاً ـ ترتّب عقلي، فلا يثبت، فلا يكون الاستصحاب المثبت لكون الكلّي في ضمن الفرد القصير حاكماً على استصحاب الكلّي.

هذا إذا اُريد بالحكومة رافعيّة هذا الاستصحاب للشكّ في بقاء الكلّي.

وأمّا إذا اريد بها رافعية الاستصحاب لليقين السابق بدعوى أنّ اليقين السابق كان عبارة عن العلم الإجمالي بأحد العدمين، وقد انحلّ العلم الإجمالي بالعلم التعبدي بأحد الطرفين (وبكلمة اُخرى: أظنّ أنّ مقصود السيّد الخوئي هو أنّ العلم الإجمالي بفرد مردّد بين القصير والطويل وإن كان مورداً للاستصحاب الكلّي من القسم الثاني، ولكن لو جرى استصحاب الفرد القصير تحوّل ذلك إلى مورد استصحاب الكلّي من القسم الثالث ؛ لأنّه يتحقّق العلم ولو تعبّداً بالفرد القصير والشكّ في فردآخر، واستصحاب الكلّي من القسم الثالث ليس حجّة.) ففيه: أنّ هذاالعلم ليس علماً وجدانياً حتّى يترتّب عليه تكويناً وعقلاً زوال العلم الإجمالي مثلاً، وليس زوال العلم الإجمالي أثراً شرعياً للعلم حتّى يفترض ترتّبه على العلم التعبّدي، وإنّما هو أثر تكوينيّ يترتّب على العلم الوجداني بأحد الطرفين.

هذا مضافاً إلى أنّ المستصحب ليس هو العدم الكلّي المعلوم بالإجمال حتّى يقال: إنّ اليقين السابق الذي هو العلم الإجمالي قد ارتفع وإنّما المستصحب عدم شخصيّ معلوم في يوم الثلاثين، وإنّما العلم الإجمالي كان متعلّقاً بإحدى حالتي هذا العدم، فنحن لا نعلم أنّ هذا العدم المشار إليه بشخصه هل كان ثابتاً في ليلة الثلاثين أيضاً، فيرتفع في ليلة الواحد والثلاثين، أو حدث بعد ليلة الثلاثين، وهو باق.

وقد ذُكرللسيّد الاُستاذ الخوئي بعض هذه النكات، فأورد النقض بمسألة ما إذا كان الإنسان محدثاً بالحدث الأصغر ثمّ خرج منه بلل مشتبه بين الحدث الأصغر والأكبر، فإنّه عندئذ يستصحب بقاء الحدث الأصغر وعدم انقلابه إلى الأكبر، ويكون ذلك حاكماً على استصحاب كلّي الحدث فيثبت ارتفاع الحدث بالوضوء.

وأجاب على ذلك اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في بحثه بأنّه إنّما يصحّ الاكتفاء في تلك المسألة بالوضوء ؛ لأجل أنّ المستظهر من الآية الشريفة هو الحكم شرعاً بارتفاع الحدث بالوضوء، مستثنياً من ذلك فرض وجود الحدث الأكبر، أي: إنّ موضوع الحكم بارتفاع الحدث بالوضوء مركّب من صدور الحدث الأصغر وعدم الحدث الأكبر، والجزء الأوّل ثابت بالوجدان، والثاني ثابت بالاستصحاب، ولا علاقة لذلك ما نحن فيه.