المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

457

فأفطر» وهذا التفريع دليل على أنّ قوله تعالى: «قل هي مواقيت للناس...» ليس بياناً لكون الأهلّة مواقيت تكويناً، بل هو بيان للتوقيت التشريعي، وإلاّ لما كان معنى لتفريع هذا الأمر التشريعي عليه.

ويعرف ببركة هذه الروايات أنّه جعل شرعاً الميزان في هذا التوقيت هو الرؤية ولو بنحو الحكم الظاهري، فكأنّما لوحظ في كلمة (الهلال) البروز والظهور، كما هو كذلك في معناه اللغوي الأصل، وإنّ استعماله في هلال الشهر بالمعنى الذي نفهمه اليوم استعمال شرعي اشتهر بالتدريج إلى أن صار حقيقة، وبما أنّ الآية مطلقة تشمل كلّ الشهور وكلّ الأيام ـ وذكر الحجّ في ذيل الآية ليس للاختصاص به، بل هو ذكر للخاصّ بعد العام لأجل الاهتمام به ـ فنحن نثبت مقصودنا بالتمسّك بإطلاق الآية.

ويؤيّد ذلك الروايات التي تقول: «إذا تغيّمت السماء فأتمّ العدّة ثلاثين» أو تقول: «وإذا كانت علّة، فأتمّ شعبان ثلاثين» ونحو ذلك(1).

فالتعبير بثلاثين يعطي ثبوت عنوان الثلاثين.

الفرع الثاني: هو استصحاب بقاء رطوبة النجس حينما لاقاه شيء بداعي إثبات تنجّس الملاقي.

فقد ذكروا: أنّ هذا الاستصحاب إنّما يجري إذا فرضنا أنّ موضوع تنجّس الملاقي هو نجاسة الملاقى ورطوبته، فنجاسته ثابتة بالوجدان، ورطوبته ثابتة بالاستصحاب.

وأمّا إذا فرضنا أنّ موضوع تنجّس الملاقي هو نجاسة الملاقى وسراية الرطوبة، فالاستصحاب هنا يبتلي بإشكال المثبتية ؛ لأنّ السراية إنّما تثبت بالملازمة العقلية.

وأمّا إذا فرضنا أنّ الرطوبة كانت معلومة بالوجدان والنجاسة مستصحبة فقد قالوا بأنّ استصحاب النجاسة يجري من دون أن يبتلي بإشكال المثبتية، من دون فرق بين مبنى الرطوبة ومبنى السراية ؛ لأنّ الشكّ ليس في السراية، وإنّما الشكّ في نجاسة الملاقى، والمفروض ثبوتها بالاستصحاب.

أقول: إنّ الشكّ تارةً يكون في بقاء الرطوبة مع العلم بالنجاسة، واُخرى بالعكس، وثالثة يكون الشكّ في بقاء كلّ منهما. والكلام يقع في جهتين:

الاُولى: في ما إذا كانت الرطوبة مستصحبة سواءً كانت النجاسة ـ أيضاً ـ مستصحبة أو


(1) راجع الوسائل: ج10، ب3 ـ 5 من أحكام شهر رمضان.