المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

46

الوجه السابع: ماذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) من أنّ اليقين من الصفات الحقيقية ذات الإضافة، ويستحيل انفكاكه عن المضاف إليه، ولذا جعل له في المقام مضاف إليه، وهو الوضوء، فلا يكون ذكر الوضوء قرينة على التقييد(1).

وعبارته(قدس سره) وإن كانت قاصرة فقد تحمل على أنّ ذكر الوضوء في المقام يكون من باب استحالة انفكاك اليقين من المضاف إليه، وعندئذ يرد عليه: أنّ هذا خلط بين وجود اليقين في عالم النفس وذكر مفهوم اليقين في عالم اللفظ، فإنّ الذي لا ينفكّ عن الإضافة إنّما هو الأوّل لا الثاني، فليكن ذكر الوضوء في عالم اللفظ قرينة على التقييد.

ولكن صدور هذا المعنى من المحقّق النائيني(رحمه الله) مستبعد والظاهر أنّ مقصوده: أن كون اليقين من الصفات الحقيقية ذات الإضافة، واستحالة انفكاكه في عالم النفس عن الإضافة يجعل عرفاً ذكرَ المضاف إليه خالياً عن مؤونة زائدة، فلا يدلّ على التقييد.

وهذا المقدار كاف في مقام الاستدلال بالرواية رغم أن قوله: «على يقين من وضوئه» ليس ظاهراً في عدم دخل القيد؛ إذ غاية الأمر أنّ كون اليقين ممّا لا ينفكّ عن الإضافة مَنَعَ القيدَ عن الظهور الفعلي في القيديّة، لكنه لا يخرج عن احتمال صلاحيته للقرينية، فيوجب


باب الوضوء، وعلى الأوّل يدّل الحديث على الاستصحاب في جميع موارد اليقين السابق والشكّ.

وبهذا يتّضح أنّ من يستظهر من الحديث بفهمه العرفي الاستصحاب في جميع موارد اليقين السابق والشك لا مجال لإقامة البرهان على بطلان كلامه عن طريق احتمال كون اللام للعهد، فيكون من المحفوف بما يصلح للقرينية؛ وذلك لإمكان استظهار أنّ الموضوع في جملة العلّة هو الوضوء، وهو داخل في مورد الجملة المعلّله، فتلغى خصوصيته، ولا يبعد القول بأنّه متى ما لم تكن في جملة العلّة قرينة على إرادة دخل القيد المأخوذ من موضوع الجملة المعلَّله في الأوسط يكون نفس دخله في موضوع الجملة المعلَّله قرينة على أنّه من الحدّ الأصغر لا الاوسط، كما في قولنا: (لا تشرب الخمر لإسكاره) فخمريّة الخمر داخلة في الحدّ الأصغر بقرينة أخذها في موضوع الجملة المعلّله. أمّا إذا كانت في جملة العلّة قرينة على ذلك، فقد دخل في الأوسط رغم أخذه في موضوع الجملة المعلّله، مثاله: (لا تأكل الرمّان؛ لأنّه رمّان حامض)، فإنّه لولا دخل الرمّانيّة في الأوسط يرى أنّ تكرار الرمان في جملة العلّة يكون بلا نكتة؛ إذ كان بالإمكان الاكتفاء بذكره الثابت ضمن الضمير في: (فإنّه)، ولم تكن حاجة الى التكرار.

أمّا في رواية: (فإنّه على يقين من وضوئه) فبما أنّ موضوع الجملة المعلّله يمكن أن يفرض هو الوضوء، أي: وإلاّ فوضوؤه باق؛ لأنّه على يقين منه، ولا ينقض اليقين بالشكّ. ويمكن أن يفرض نفس ذلك الشخص، أي: وإلاّ فهذا الشخص لا يتوضّأ؛ لأنّه على يقين من وضوئه، ومن يكون على يقين من وضوئه لا يتوضّأ، جاء في الحديث احتمالان: كون الوضوء من الحدّ الأصغر أو من الحدّ الأوسط، ولا برهان على امتناع استظهار الأوّل.

(1) راجع أجود التقريرات: ج 2، ص 359 ـ 360، وفوائد الاُصول: ج 4، ص 337 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.