المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

462

هذا القبيل(1)، ففرض البناء على تنجّس بدن الحيوان مساوق لقبول ثمرة من هذا القبيل، وإلاّ رجعنا إلى المنبى الآخر، وهو عدم نجاسة بدن الحيوان(2).

 

أقسام اُخرى للاستصحاب المثبت

الأمر الثالث: إنّنا حتّى الآن كنّا نتكلّم في الاستصحاب المثبت، بمعنى إثبات اللازم الذي يكون مصبّ الملازمة فيه نفس المستصحب، فإنّ مصبّ الملازمة تارةً يفرض هو المستصحب، واُخرى يفرض هو الحكم الاستصحابي، وثالثة يفرض هو حجيّة الاستصحاب. فنحن حتى الآن كنّا نتكلّم في القسم الأوّل من هذه الأقسام الثلاثة، فإنّ الاستصحاب في هذا القسم هو المسمى بالاستصحاب المثبت.

وأمّا القسم الثاني، فلا إشكال في ثبوت اللازم فيه بالاستصحاب ؛ إذ هو في الحقيقة من


(1) قد تفترض ثمرة عملية من غير هذا القبيل لتنجّس بدن الحيوان، بأن يقال: لو لاقى بدن الحيوان دماً رطباً، ثمّ جفّ الدم على بدنه، ثمّ ذبح الحيوان، ثمّ اُزيل الدم بالحكّ، فبناءً على تنجّس بدن الحيوان بملاقاة النجس الرطب يكون الجلد نجساً ؛ لأنّ بدن الحيوان لاقى دماً رطباً فتنجس ثمّ لم يطهر إلى أن ذبح ؛ لأنّ المفروض عدم زوال عين النجاسة عن بدنه، والآن خرج عن كونه حيواناً، فلا يطهر بمجرد إزالة العين بالحكّ. وبناءً على عدم تنجّس بدن الحيوان يكون الجلد طاهراً ؛ لأنّه حينما لاقى الدم الرطب كان حيواناً لايتنجّس، وبعد أن خرج عن كونه حيواناً لم يكن ملاقياً إلاّ للدم الجافّ، والجافّ لا ينجّس، وقد أزلناه بالحكّ حسب الفرض، وكذلك الحال قبل الحكّ، فلو صلّى في هذا الجلد مع ذاك الدم الجافّ وكان أكثر من الدرهم، وقلنا: إنّ حمل النجس لا يبطل الصلاة، ولكن لبس المتنجّس يبطل الصلاة، فبناءً على تنجّس بدن الحيوان تبطل صلاته، وبناءً على عدم تنجّسه تصحّ صلاته.

نعم، لو قلنا: إنّ بدن الحيوان على تقدير تنجّسه يطهر بالجفاف بلا حاجة إلى إزالة العين بمثل الحكّ بطلت هذه الثمرة.

(2) قد يقال: إنّ عدم الإيمان بمنجّسية الملاقاة الثانية فيما إذا لم تكن نجاسة الملاقى الثاني أشدّ من نجاسة الملاقى الأوّل ليس لأجل لزوم اللغوية فحسب، بل حتّى لو آمنّا بأنّ عدم وجود ثمرة عملية لا يضرّ بالإيمان بالنجاسة، قلنا: إنّ دليل منجّسية الملاقاة ينصرف إلى كون الملاقاة منجّسة بالشكل المألوف في منجّسيّة الملاقاة في النجاسات العرفية التي ليست اعتبارية بحتاً، بل لهاواقعية خارجية، ومن المعلوم أنّ الملاقاة الثانية في النجاسات العرفية فيما إذالم تستلزم أشدّية النجاسة لا تكون منجّسة لا للغوية، إذ ليس الكلام فيها في الجعل والاعتبار، بل لعدم معنىً لاكتساب قذارة جديدة بتكرّر الملاقاة من دون فرض الاشتداد.

وعلى أية حال، فلو لم نتصوّر ثمرة اُخرى لتنجّس بدن الحيوان فهذا الكلام ـ أيضاً ـ يؤدّي بنا إلى عدم الإيمان بتنجّس بدن الحيوان بناءً على أنّ التنجّس أمر اعتباري شرعي ؛ وذلك لأنّ هذا الكلام ينتهي إلى إنكار الثمرة، فيصبح الحكم بتنجّس بدن الحيوان لغواً.