المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

464

بنجاسة ما كان نجساًوطهارة ما كان طاهراً ؛ وذلك: إمّا لقيام الإجماع على أنّ الماء الواحد لا يتبعّض حكمه، سواء كان واقعياً أو ظاهرياً، فهو دليل شرعي على الملازمة بين النجاسة المستصحبة ونجاسة الباقي ظاهراً، وكذلك بين الطهارة المستصحبة وطهارة الباقي ظاهراً، وإمّا لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي على التفكيك في حكم أجزاء الماء الواحد، سواء كان حكماً واقعياً أو ظاهرياً، فالقطرة الواحدة في نظر العرف لا تتحمّل حكمين مختلفين من حيث الطهارة والنجاسة.

ويمكن أن يمثّل للمقام بمثال آخر، وهو استصحاب الجعل الكلّي، وإثبات فعليّة المجعول بناءً على تصوّرات المحقّق النائيني (رحمه الله) من التفكيك بين الجعل والمجعول. وتوضيح ذلك: أنّنا لو استصحبنا بنحو كلّي نجاسة الماء المتغيّر بعد فرض زوال تغيّره، ثمّ وجد خارجاً ماء متغيّر زال تغيّره، فذلك الاستصحاب كاف في ثبوت فعليّة النجاسة ظاهراً ؛ وذلك لأنّه كما أنّ الجعل الواقعي حينما يوجد موضوعه خارجاً يصبح فعلياً بحكم العقل بالملازمة بين الجعل وفعلية المجعول عند تحقّق الموضوع خارجاً، كذلك الجعل الظاهري يصبح فعلياً حينما يوجد موضوعه خارجاً بحكم العقل بالملازمة بينهما.

هذا على تصورات المحقق النائيني (رحمه الله).

وأمّا على تصوّراتنا فلا موضوع لهذا الكلام؛ إذ لايوجد لنا عالم المجعول والفعلية وراء عالم الجعل، ويكفي استصحاب الجعل مع تحقّق الموضوع خارجاً لترتّب التنجيز المطلوب.

وأمّا الثاني، وهو ما يكون لازماً للجعل الاستصحابي على بعض المباني، فمن قبيل وجوب المقدّمة أو حرمة الضدّ بناءً على الإيمان بهما، فقد يقال: إنّنا إذا استصحبنا وجوب شيئاً ثبت وجوب مقدّمته أو حرمة ضدّه ؛ لأنّه كما أنّ الوجوب الواقعي لشيء يستلزم وجوب مقدّمته أو حرمة ضدّه واقعاً كذلك الوجوب الظاهري له يستلزم وجوب مقدّمته أو حرمة ضدّه ظاهراً. إلاّ أنّ هذا الكلام إنّما يتأتى على بعض المباني وهو مبنى كون مفاد الاستصحاب وجوباً تكليفياً كما لو قلنا بالحكم المماثل، فعلى هذا المبنى لو استصحبنا وجوب شيء ثبت وجوب مقدّمته وحرمة ضدّه إن ادّعينا التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، أو حرمة ضدّه بلحاظ عالم الجعل والإنشاء.

ويترتّب على ذلك بطلان الضدّ إذا كان عبادة بناءً على مبطلية هذا النهي للعبادة، وعدم الحرمة مطلقاً إذا كانت المقدّمة في نفسها محرّمة بناءً على أنّه ترتفع حرمتها بمجرّد صيرورتها واجبة بالوجوب المقدّمي، ونحو ذلك من الآثار التي قد تظهر بالتتبّع في الأبواب المتفرّقة.