المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

465

وأمّا إن كان التلازم مقصوراً على عالم المبادئ فهنا لا يثبت وجوب المقدّمة أو حرمة الضد على شيء من المباني في الاستصحاب، ولو كان من قبيل مبنى جعل الحكم المماثل؛ وذلك لأنّ الأحكام الظاهرية ليست لهامبادئ وراء مبادئ الأحكام الواقعية.

وأمّا القسم الثالث، وهو ما كان ملازماً لحجّيّة الاستصحاب فثبوته في غاية الوضوح، فإنّه إن كان القسم الأوّل يدخل في مثبتات الاُصول والقسم الثاني يدخل في مثبتات الأمارة، فهذا القسم لا يدخل حتّى في مثبتات الأمارة، بل يثبت بالقطع الوجداني؛ إذ هو من لوازم الحجّيّة المفروض ثبوتها بالقطع الوجداني ؛ لانتهاء سلسلة ادلّتها إلى القطع، فتثبت حتماً اللوازم والآثار المترتّبة على الحجّيّة من قبيل ثبوت التنجيز،ووجوب الطاعة، وحرمة المعصية، واستحقاق العقاب.

وبعد هذا كلّه ننتقل إلى ملاحظة حال ما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله) حيث إنّه عطف على استثناء الشيخ خفاء الواسطة من قانون عدم حجّيّة الأصل المثبت فرض جلاء الملازمة، وذكر له ملاكين أو تقريبين:

الأوّل: إنّ العرف حينما لا يتعقّل التفكيك في التعبّد بين شيئين ؛ لشدّة التصاق أحدهما بالآخر كالاُبوّة والبنوّة مثلاً، فلا محالة يدلّ دليل التعبد بأحدهما على التعبّد بالآخر.

الثاني: أنّ أثر الواسطة يسنده العرف إلى نفس المستصحب ؛ لشدّة التصاق الواسطة به، فكأنّما يكونان وجهين لشيء واحد، فكأنّ علقة الاُبوّة والبنوة مثلاً شيء واحد، حينما ينظر إليه من هذا الجانب يسمّى بالابوّة. وحينما ينظر إليه من ذاك الجانب يسمّى بالبنوّة(1).

وبين هذين الملاكين فرق عملي، وهو أنّه إذا كان المستصحب وهو الاُبوّة مثلاً لا يترتّب عليه أثر شرعي، وإنما يترتّب الأثر على البنوّة، فالتقريب الأوّل لا يتمّ، لكنّه يتمّ التقريب الثاني، فإنّه على التقريب الثاني يقال: إنّ أثر البنوّة هو أثر للاُبوّة، فيثبت. وأمّا على التقريب الأوّل فالتعبّد بالاُبوّة لم يثبت ؛ إذ لا أثر له حتّى يقال: إنّه إذا ثبت هذا التعبّد ثبت التعبد بالبنوّة ـ أيضاً ـ بالملازمة العرفية بين التعبّدين.

وتحقيق حال الملاك الأوّل ظهر من هذا التنبيه، وتحقيق حال الملاك الثاني ظهر من التنبيه السابق. أمّا الملاك الأوّل فقد عرفت أنّه متى ما كان بحسب الارتكاز العرفي ملازمة بين التعبّدين ثبت أحدهماعند ثبوت الآخر بالاستصحاب، ولا يبعد كون المتضايفين


(1) راجع الكفاية: ج2 ص327 بحسب طبعة المشكيني.