المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

47

الإجمال لا محالة. والوجه في كفاية ذلك في الاستدلال هو: أنّ عدم الظهور الفعلي لجملة: (فإنّه على يقين من وضوئه) في التقيّد بالوضوء يرفع المانع عن التمسّك بإطلاق قوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ»؛ إذ مجرّد ذكر شيء مجمل في ما قبل ذلك يكون على أحد معنييه صالحاً للقرينية على إرادة العهد والإشارة إلى حصّة خاصّة من اليقين لا يكون قرينة على ذلك، ولا صالحاً للقرينيّة عليه في نظر العرف(1).

 


(1) يمكن أن يراد بهذا الكلام أحد تقريبات ثلاثة:

الأوّل: أنّ العهد الذكري لا يحسن عرفاً إلاّ إذا كان المعهود مذكوراً ذكراً قطعياً لا احتمالياً، و اليقين الخاصّ ليس مذكوراً ذكراً قطعياً؛ لأنّنا فرضنا إجمال قوله: «على يقين من وضوئه» لاحتمال كون ذكر قيد الوضوء لأجل محاكاة وضع اليقين الذي هو من الصفات الحقيقية ذات الإضافة التي لا تنفكّ عن المضاف إليه، لا لأجل التقييد.

والجواب: أنّ المعهود مذكور ذكراً قطعياً، غاية ما هناك أنّه مردّد بين اليقين الخاصّ وطبيعة اليقين.

والثاني: أن يقال: إنّ إجمال قوله: «على يقين من وضوئه» وتردّده بين ما يصلح للقرينيّة على العهد إلى خصوص اليقين الخاصّ وما لا يصلح للقرينية على ذلك يجعله غير صالح للقرينيّة، ففرق بين تردّد شيء بسبب الإجمال بين ما يكون قرينة بالفعل وما لا يكون قرينة، وبين تردّده بين ما يصلح للقرينية وما لا يصلح، فالأوّل ينزّله من القرينيّة الفعلية إلى ما يصلح للقرينيّة، والثاني ينزّله من الصلاحية للقرينية إلى عدم الصلاحية.

والجواب: أنّه إذا كان لا دافع لاحتمال العهد؛ لأنّ اللام مشترك لفظي بين الجنس والعهد، أو لأنّ السياق صالح للقرينية على العهد، وإذا كان على تقدير العهد لا دافع لاحتمال العهد إلى اليقين الخاصّ؛ لأنّ القيد مردّد بين محاكاة وضع اليقين الذي يستحيل انفكاكه في النفس من المضاف اليه وبين القيدية، إذن لا دافع ـ لا محالة ـ لاحتمال كون اللام عهداً إلى اليقين الخاصّ. ولا نقصد بصلاحية القرينية إلاّ ذلك، ولا مبرّر لتنزيل الإجمال والتردّد بين ما يصلح للقرينية وما لا يصلح إلى عدم الصلاحية.

والثالث: أن يقال: إنّ اللام ليس للعهد، بل لجامع التعيين، فقرينة العهد لا تكون إلاّ السياق، والسياق لا يقتضي العهد إلاّ إذا كان اليقين السابق ذكره يقيناً خاصّاً، وهذا المعهود غير مذكور ذكراً قطعياً في ما سبق؛ لاحتمال كون ذكر القيد في ما سبق مجاراةً ومحاكاةً لحالة اليقين النفسية، لا لتخصيص اليقين، في حين أنّه لا يحسن العهد الذكري إلاّ مع ذكر المعهود ذكراً قطعياً.

إلاّ أنّ دعوى: أنّ السياق لا يقتضي العهد إلاّ عهدية اليقين الخاصّ عهدتها على مدّعيها.

على أنّ هذا كلّه مبنيّ على ظاهر عبارة المتن من افتراض الإجمال في قوله: «فإنّه على يقين من ضوئه» بمعنى تردّده بين كون ذكر الوضوء من باب القيدية أو من باب المحاكاة عن حالة اليقين النفسية.

ولكنّنا لو حملنا قوله: «فإنّه على يقين من وضوئه» على الجملة الإخبارية فافتراض هذا الإجمال في المقام غير مفهوم مادام هذا الكلام ليس بياناً للحكم الشرعي حتى نقول: إنّه هل هو بيان للحكم على مطلق اليقين أو على يقين خاصّ، وإنما الحكم الشرعي قد بيّن بعد ذلك بقوله: «لا ينقض اليقين بالشكّ» والمحكي بهذا الإخبار كان في واقعه يقيناً خاصّاً، أي: يقيناً بالوضوء، وذكر الوضوء تقييد للحكاية لا محالة، غاية ماهناك: أنّ الدافع لهذا التقييد مردّد بين دخله في ما سيأتي من الحكم وهو النهي عن نقض اليقين بالشكّ، وحكايته لواقع حال اليقين الذي