المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

473

الجواب الثاني: أنّ استصحاب استقبال القبلة مثلاً يترتّب عليه عدم وجوب الصلاة بعد هذه الصلاة إعادةً أو قضاءً، فإنّ إتيان الصلاة بتمام شرائطها يكون عدمه مأخوذاً في موضوع وجوب الصلاة الذي هو حكم تكليفي، وإلاّ لزم أن تجب الصلاة حتّى بعد إتيانها كاملة، فيجب على المكلّف أن يصلّي دائماً، وليس كذلك، إذن، فاستصحاب ثبوت الشرائط من قبيل استقبال القبلة أو غيره ناف لموضوع هذا الحكم التكليفي، وهو وجوب الصلاة وبالتالي ناف لهذا الحكم التكليفي من دون إشكال واستصحاب عدم الشرائط مثبت لموضوع هذا الحكم التكليفي. وبكلمة اُخرى: إنّنا حينما نقيس الحكم إلى متعلّقه فهو ـ تماماً كما لو قسناه إلى أيّ شيء آخر ـ إمّا مطلق بالنسبة إليه، أو مقيّد، ولا يعقل الإهمال، والإطلاق غير محتمل في المقام، وإلاّ لزم تكرار الصلاة دائماً، فتعيّن التقييد بصورة عدم الإتيان بالمتعلّق بتمام شرائطه، فيكون للاستصحاب عندئذ باب واسع.

وفيه ما نقّحناه في بعض أبحاث ماضية من أنّ الحكم بامتثاله لا ترتفع فعليّته، وإنّما ترتفع فاعليته، فالحكم بالنسبة إلى متعلّقه مطلق.

الجواب الثالث: أنّه لم ترد آية أو رواية على اشتراط كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، ومجرّد التعبّد والاعتبار سهل المؤونة، ويمكن تعلّقه بالاُمور التكوينية. نعم، العمدة مسألة اللغوية، وترتفع اللغوية بترتّب أثر عقلي عملي على نفس الاستصحاب، وعندئذ يعقل جريان الاستصحاب، ولا يكون لغواً، ويتصوّر النقض العملي، والاستصحاب كسائر الأحكام الظاهرية وظيفته تعيين ماهو الأهمّ من الأغراض المتزاحمة عند المولى، وهذا هو روح كلّ الأحكام الظاهرية، وهذا كما يكون عند الشكّ في مرحلة الجعل كذلك يكون عند الشكّ في مرحلة الامتثال، فمن شكّ في أنّه صلّى أو لا، لو وجبت عليه ظاهراً الإعادة قد يفوت الغرض الترخيصي في عدم الإلزام بصلاة ثانية، ولو لم تجب عليه الإعادة قد يفوت الغرض الإلزامي في أصل الصلاة، فالمولى يقدّم الجانب الأهم إمّا بلسان مكشوف كأن يأمر بالاحتياط، أو يرخّص في الترك، أو بلسان غير مكشوف كأن يقول: بلى قد ركعت، أو يقول: جعلت المنجّزية والمعذّرية، أو الطريقية، أو أيّ لسان آخر، وما ذكره المحقّق النائيني من أنّه لا بدّ أن يكون الحكم الظاهري المجعول المرخِّص في مرحلة الامتثال بلسان الإحراز(1) في غير محلّه، وكذلك ما ذكره المحقّق العراقي (رحمه الله)من أنّه إذا


(1) يقصد احراز تحقق العمل حيث يعتقد الشيخ النائيني(رحمه الله) أنّ الأصل النافي على قسمين فتارة يكون