المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

48

الوجه الثامن: ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) من أنّه يقوى احتمال كون (من وضوئه) متعلقاً بالظرف لا باليقين، فكأنّه قال: «فإنّه من وضوئه على يقين»، فليس اليقين المذكور قبل جملة: (لا ينقض اليقين بالشك) خاصّاً، فضلاً عن أن يجعل اليقين في تلك الجملة خاصّاً من باب اشتماله على لام العهد(1).

والكلام في ذلك تارةً يقع في الصغرى، وهي صحّة حمل هذه العبارة على كون (من وضوئه) متعلقاً بالظرف لا باليقين، واُخرى في الكبرى، أي: أنّه بعد تسليم تعلّقه بالظرف يقع الكلام في تماميّة دلالته على المقصود.

أمّا الأوّل، فالظاهر(2) من مثل هذا التركيب في لغة العرب كقولك: (على سلامة من دينه) وقولك: (على بيّنه من ربّه) وقولك: (أنا على بصيرة من ديني) ونحو ذلك هو كون الجار والمجرور متعلقاً بالظرف لا بالمجرور، فإنّك ترى أنّ هذا التركيب وهو: (على يقين من وضوئه) و (على بصيرة من أمره) ونحو ذلك مستساغ صحيح، مع أنّ المجرور وهو كلمة اليقين أو البصيرة ونحوهما ممّا لا يصح في لغة العرب تعدّيه بمن(3)، فلا يقال: (أنا أتيقّن من وضوئي) أو (أنا بصير من أمري) وإنّما يقال: (أنا أتيقّن بوضوئي) أو (أنا بصير بأمري).

هذا، مضافاً إلى أنّ المجرور في بعض هذه الأمثلة لا يمكن جعله متعلّقاً للجار والمجرور من حيث المعنى ولو فرض استعمال كلمة(من) مكان الباء مثلاً، فالجار والمجرور في قولك: (على سلامة من ديني) لا يمكن من حيث المعنى أن يتعلّق بالسلامة ولو اُبدلت كلمة(من) بأيّ حرف جرّ آخر، وفي قولك: (على بيّنة من ربّه) لا يمكن تعليق الجار والمجرور من حيث المعنى بالبيّنة، فإنّه لم يكن المقصود ظهور وجود الربّ له حتى يعلّق الجار والمجرور بالبيّنة.

 


كان، أو محاكاته لوضع اليقين بشكل عامّ المستحيل انفكاكه عن المضاف إليه، ولكن على أيّة حال لا يخرج الوضوء عن كونه قيداً للمحكيّ، إذن فالمعهود حتى لو كان هو اليقين الخاصّ فهو مذكور في الكلام ذكراً قطعياً، فالسياق يصلح للقرينيّة لا محالة.

ولعلّ مقصود اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) كان شيئاً آخر قصرت عبارتنا عن إفادته.

(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 284 ـ 285، بحسب الطبعة المشتملة في حاشيتها على تعليقة المشكيني.

(2) راجع بهذا الصدد نهاية الدراية: ج 5، ص 46 بحسب طبعة آل البيت.

(3) لا يخفى: أنّ هذه التعليلات لا تصلح دليلاً على أنّ هذا التركيب في لغة العرب ظاهر في تعلّق الجار والمجرور الثاني بالظرف على الإطلاق، وإنّما تصلح دليلاً على ذلك في كلّ مورد تمّ شيء من هذه التعليلات، ومن تلك الموارد ما نحن فيه.