المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

485

الاستصحاب تعويل على الأصل المثبت، ففرق كبير بين إثبات الموضوع بمعنى إثبات أحد جزءيه بالوجدان والجزء الآخر بالاستصحاب، وهو أمر معقول، وبين نفي الموضوع بنفي أحد فرديه بالوجدان والفرد الآخر بالاستصحاب، فإنّ هذا تعويل على الأصل المثبت.

وعلى هذا الأساس لم نقبل نفي الموضوع بضمّ استصحاب عدم الفرد الطويل إلى القطع بانتفاء الفرد القصير(1). نعم، لو فرض احتمال بقاء حياة الأب إلى الآن وعدم انتقاضها رأساً، جرى استصحاب عدم الموت، ولا يكون مثبتاً ؛ لأنّنا نُجري عندئذ استصحاب عدم صرف الوجود للموضوع، أي: استصحاب عدم الجامع رأساً، ولا نحتاج إلى ضمّ الوجدان إلى الأصل وما ذكرناه من عدم إمكان نفي الموضوع باستصحاب عدم أحد الجزءين إلى زمان انتفاء الجزء الآخر مع العلم بانتقاضه أخيراً ليست له ثمرة عمليّة لو آمنّا بما يُذكر في المقام من إشكالات عدم إحراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ، ولكن بناءً على ما سوف يظهر ـ إن شاء الله ـ من عدم تماميّة تلك الإشكالات تترتّب على ذلك الثمرة في موردين:

المورد الأوّل: أن يفرض أنّ الشكّ لم يكن في بقاء الجزء، وإنّما كان في بقاء عدمه، أي: إنّه لم يكن عندنا الاستصحاب المثبت للجزء، وإنّما كان عندنا الاستصحاب النافي له، كما لو فرضنا أنّ كلا الجزءين كانا مسبوقين بالعدم، مثاله: ما إذا فرضنا أنّ موت الأب مع إسلام الابن موضوع لإرثه، وفي ما سبق لم يكن الأب ميّتاً ولا الابن مسلماً، ثمّ مات الأب وأسلم الابن، ولا ندري أيّهما تقدّم على الآخر، فهنا هل يجري استصحاب عدم أحد الجزءين إلى زمان انقضاء الجزء الآخر لكي ينفى به الحكم، أو لا؟ أي: إنّه هل يجري استصحاب عدم إسلام الابن إلى زمان انقضاء الجزء الآخر وهو زهاق روح الأب، أو لا؟ وطبعاً لو جرى


(1) لا يخفى انّه في خصوص المثال المذكور في المقام يكون الفرد الأوّل موضوعاً لانتقال الملك إلى الوراث في الزمان الأوّل، والفرد الثاني موضوعاً لانتقال الملك إليه في الزمان الثاني، وأقصد بذلك أنّ الزمان ليس مفرّداً للموضوع فحسب، بل هو مفرّد للمتعلّق أيضاً، فإرث الزمان الأوّل ينفى باستصحاب عدم الموت، وإرث الزمان الثاني ينفى بالقطع بالإسلام، فلا يقاس المقام باستصحاب عدم الفرد الطويل الذي لا ينفي الجامع بضمّه إلى القطع بعدم الفرد القصير، كأن يستصحب عدم الفيل ويضمّ ذلك إلى القطع بعدم البقّ، لينفى بذلك وجوب التصدّق الذي هو حكم جامع وجود الحيوان مثلاً، فيقال: إنّ هذا تعويل على الأصل المثبت، بل ينبغي أن يقاس المقام بما إذا كانت الخصوصيّة الفرديّة للفرد الطويل والقصير مفرّدة للمتعلّق أيضاً، كما لو كان وجود الحيوان موضوعاً لوجوب رعاية رفاه ذاك الحيوان، فوجود الفيل يحقّق وجوب رعاية رفاه الفيل، ووجود البقّ يحقّق وجوب رعاية رفاه البقّ مثلاً، وهنا لا إشكال في أنّ استصحاب عدم الفيل ينفي الحكم الأوّل، والقطع بعدم البقّ ينفي الحكم الثاني من دون الوقوع في مشكلة مثبتيّة الأصل.