المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

49

والخلاصة: أنّ الظاهر أنّ كلمة (من وضوئه) متعلّقة في المقام بالظرف، أي: بما تعلّق به (على يقين) لا باليقين.

وأمّا الثاني، فقد استشكل المحقّق العراقي(قدس سره) في إجداء صرف القيد من اليقين إلى الظرف في تتميم الاستدلال بالحديث، بدعوى: أنّ اليقين ـ على أيّ حال ـ قيّد بالوضوء: إمّا بتضييقه بلسان ذكر متعلّقه بأن يكون الجار والمجرور متعلّقاً باليقين، وإمّا بتضييقه بلسان ذكر منشأه، بأن يقال: إنّه يكون على يقين، ويكون وصف كونه على يقين ناشئاً من الوضوء(1).

أقول: إنّنا إذا جعلنا (من وضوئه) متعلّقاً بالظرف، أي بالفعل العام الذي تعلق به (على يقين) كان معنى ذلك: أنّ شيئاً واحداً وهو الكون قيّد بقيدين عرضيين وهما (على يقين) و (من وضوئه) وإن كان التقييدان طوليين، أيّ: أنّ الكون إنّما قيّد بقيد (من وضوئه) بالنظر إلى كونه مقيّداً بعلى يقين، لكن هذا لا ينافي كون القيدين في عرض واحد، كما هو مقتضى تعلّق كلا الجارّين والمجرورين بشيء واحد، وإذا كانا في عرض واحد فيستحيل تقيّد أحدهما بالآخر، فيكون ـ لا محالة ـ اليقين مطلقاً، فحتّى لو كان اللام للعهد لا ينافي ذلك إطلاق المدخول؛ ولذا ترى أنّه لو قدّم (من وضوئه) على جملة (على يقين) بأن قال: (فإنّه من وضوئه على يقين، ولا ينقض اليقين بالشكّ) يفهم منه الإطلاق بلا إشكال.

 

تنبيهات:

وفي ختام البحث عن هذه الصحيحة ننبّه على اُمور:

1 ـ حول جملة (فإنّه على يقين من وضوئه):

الأمر الأوّل: في البحث عن جملة: (فإنّه على يقين من وضوئه) هل هي قضية خبرية


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 345 ـ 346 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلامي. ونهاية الأفكار: القسم الأوّل من الجزء الرابع، ص 43.

ولا يخفى: أنّ المحقق العراقي(رحمه الله) ملتفت إلى عدم تقيّد اليقين بمنشأه بناءً على تعلّق (من وضوئه) بالظرف، كما هو ظاهر من عبارته في المقالات وفي نهاية الأفكار، فهو يرى أنّ المعلول في معلوليّته لا يتقيّد بعلّته، فإنّ الناشيء من العلّة إنّما هي نفس الذات لا بقيد النشوء عنها، إلاّ أنّه يدّعي أنّ اليقين ـ عندئذ ـ رغم عدم تقيّده بمنشأه ـ وهو الوضوء ـ لا يبقى له إطلاق وسعة ليقين آخر ناشيء من منشأ آخر، وهذا مبتن على فكرته عن الحصّة التوأم، فإبطال كلامه في المقام لا يكون ببيان عرضيّة القيدين، بل يكون بمناقشة فكرة الحصّة التوأم. ولعل اُستاذنا(رحمه الله)سامح في مقام البيان حذراً من التعقيد في البحث، وإلاّ فمن البعيد غفلته(رحمه الله) عن ذلك.