المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

490

وبهذا اتّضح ما في كلام السيّد الاُستاذ(1) من الاعتراض على من قال ـ كالمحقّق النائيني والشيخ الأعظم(قدس سرهما)ـ بعدم جريان الاستصحاب في معلوم التأريخ لعدم الشكّ فيه، حيث قالوا: إنّ الموت المعلوم تأريخه وهو حين الغروب مثلاً لا معنى لاستصحاب عدمه؛ لأنّه قبل الغروب معلوم العدم، ولدى الغروب معلوم الوجود، فلا شكّ فيه في وقت من الأوقات حتّى يستصحب عدمه.

واعترض عليهم السيّد الاُستاذ بأنّ هؤلاء إنّما لاحظوا عمود الزمان، فرأوا أنّه لا يوجد شكّ في الموت. أمّا لو لوحظ الموت بالنسبة لزمان الحادث الآخر فالشكّ ثابت فيه.

ويرد عليه: أنّ المحقّق النائيني والشيخ الأعظم ملتفتان إلى أنّ المقصود هو استصحاب عدم معلوم التأريخ إلى زمان مجهول التأريخ، وكيف لا يكونان ملتفتين إلى ذلك في حين أنّ عنوان بحثهم هو هذا، وإنّما قالوا ما قالوه هنا باعتبار أنّ عنوان زمان مجهول التأريخ إنّما يلحظ بما هو عنوان مشير إلى واقع الزمان، فيكون مرجع الاستصحاب إلى الاستصحاب بلحاظ عمود الزمان، ولا شكّ في واقع الزمان في معلوم التأريخ، إلاّ أنّ بساطة تعبيرهم في مقام بيان علّة عدم جريان الاستصحاب أوجبت أن يعترض عليهم السيّد الاُستاذ بهذا الاعتراض، ويتّضح دفع الاعتراض بالتدقيق الذي بيّنّاه.

وثانياً: أنّ الاستصحاب في مجهول التأريخ بالنسبة لزمان معلوم التأريخ يجري؛ لأنّه من الواضح عدم انتقاض اليقين باليقين ؛ لأنّ معلوم التأريخ واقع زمانه الذي نعلمه هو المغرب مثلاً، ونحن نعلم وجداناً عند المغرب أنّنا لم نحرز إسلام الابن، فإنّ المفروض أنّنا لا ندري هل وقع إسلامه قبل موت الأب مثلاً أو بعده.

إذن، ففي موارد كون أحدهما معلوم التأريخ والآخر مجهول التأريخ لا يجري الاستصحاب في معلوم التأريخ، ويجري في مجهول التأريخ، إلاّ أنّ نكتة ذلك لا تكمن في هذا العنوان، أي: عنوان أنّ هذا مجهول التأريخ وذاك معلوم التأريخ، كما يبدو منهم، وإنّما تكمن في عنوان آخر سوف يتّضح في الأمر الثالث.

وثالثاً: أنّه إذا كانا مجهولي التأريخ فإن كانت دائرة احتمالات حدوث أحدهما مساوية لدائرة احتمالات حدوث الآخر لم يجرِ الاستصحاب، وإذا كانت دائرة احتمال الحدوث في أحدهما أوسع جرى الاستصحاب في الأوسع دون الأضيق.


(1) راجع مصباح الاصول: ج 3، ص 194.