المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

491

وتوضيح المقصود: أنّنا لو فرضنا مثلاً أنّ موت الأب نعلم بأنّه إمّا وقع في الساعة الاُولى أو الثانية، وإسلام الابن ـ أيضاً ـ كذلك، أي: نعلم بأنّه إمّا وقع في الساعة الاُولى أو الثانية، فليست دائرة احتمال أحدهما أوسع من دائرة الآخر، فعندئذ لا يجري الاستصحاب؛ لاحتمال نقض اليقين باليقين؛ إذ لو أجرينا مثلاً استصحاب عدم إسلام الابن إلى حين موت الأب، فنحن نحتمل أنّ موت الأب وقع في الساعة الثانية، ونحن في الساعة الثانية نقطع بإسلام الابن، ولو فرضنا مثلاً أنّنا نقطع بأنّ موت الأب إمّا وقع في الساعة الاُولى أو الثانية، وأمّا إسلام الابن فنعلم إجمالاً أنّه إمّا وقع في الساعة الاُولى أو الثانية أو الثالثة، فهنا استصحاب الأوسع دائرة وهو الإسلام يجري لعدم الانتقاض باليقين حتماً؛ لأنّنا حينما نستصحب عدم الإسلام إلى زمان الموت نحتمل تأخّر الإسلام عن الموت على جميع تقادير احتمالات زمان الموت؛ إذ لعلّ الإسلام وقع في الساعة الثالثة، وهذا بخلاف العكس، فلا يجري استصحاب الأضيق حدوثاً وهو الموت.

وفي الحقيقة يكون جريان الاستصحاب في مجهول التأريخ عندما يقابل معلوم التأريخ، وعدم جريانه في معلوم التأريخ من هذا الباب، أي: من باب أنّ مجهول التأريخ هو الأوسع دائرة في احتمالات الحدوث، ومعلوم التأريخ هو الأضيق دائرة في ذلك، فنكتة المطلب ليست عبارة عن أنّ أحدهما مجهول التأريخ والآخر معلوم التأريخ، بل النكتة العامّة لجريان الاستصحاب وعدمه في المقام هي أنّ الاستصحاب يجري في الأوسع دائرة في احتمالات الحدوث؛ لعدم احتمال انتقاض اليقين باليقين، ولا يجري في الأضيق أو المساوي؛ لاحتمال انتقاض اليقين باليقين.

ولا يرد على هذا ما سوف يأتي عن السيّد الاُستاذ من أنّ الشكّ في انتقاض اليقين باليقين وعدمه غير معقول، فإنّ انتقاضه باليقين وعدمه أمر وجداني يمكن لكلّ أحد أن يعرفه بمراجعة نفسه، إلاّ إذا كان في المرتبة العالية من الوسوسة.

توضيح عدم الورود هو: أنّ الذي نفرض كونه مخصوصاً بشأن الوسواسيّين، ولا يصدر من الإنسان المتعارف إنّما هو الخلط بين المتيقّن بالذات والمشكوك بالذات، وأمّا الشكّ بلحاظ المعلوم بالعرض والمشكوك بالعرض فهو شيء اعتيادي جدّاً، فمثلاً لو كان لزيد عنوانان: عنوان أنّه أبو فلان، وعنوان أنّه ابن فلان، ولكنّنا لم نكن ندري أنّ هذين العنوانين لمعنون واحد، فعلمنا بموت أبي فلان، فهنا المتيقّن بالذات هي الصورة الذهنيّة لعنوان أبي فلان، والمشكوك بالذات هي الصورة الذهنيّة لعنوان ابن فلان، ولا يخلط الإنسان