المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

494

الثاني: أنّه حتّى لو فرضنا تعلّق العلم الإجمالي بالواقع قلنا: إنّ هذا العلم يجامع الشكّ في كلّ طرف من أطرافه، وإلاّ لكان علماً تفصيليّاً، ويكفي في الاستصحاب الشكّ ولا يشترط عدم العلم، وصاحب الكفاية نفسه لم يقبل ما قاله الشيخ الأعظم (رحمه الله) من أنّ اليقين بإحدى الحالتين في باب العلم الإجمالي بانتقاض إحداهما قد انتقض بيقين لاحق، وقال: لو ابتليت الرواية المذيّلة بقوله: (ولكن انقضه بيقن آخر) بإجمال من هذا القبيل يكفينا مالا يكون مذيّلاً بذلك. والحاصل: أنّ صدور هذا الكلام من المحقّق الخراساني(رحمه الله)أبعد عندي(1) من


(1) جاء في الجزء الثاني من الحلقة الثالثة من دروس في علم الاُصول لاُستاذنا الشهيد (رحمه الله) ـ ص316، طبعة دار الكتاب اللبناني الطبعة الاُولى ـ احتمال تفسير آخر لكلام الآخوند أكثر انسجاماً مع ظاهر عبائره من التفسير الماضي هنا، وهو أنّه (رحمه الله) ينظر إلى الإسلام والكفر الثابت في حين الموت مقيّداً بهذا العنوان، باعتبار أنّ الإسلام أو الكفر وحده وفي عمود الزمان المطلق لا أثر له، ويرى أنّ الشكّ في ذلك يكون ظرفه ـ لا محالة ـ مقيّداً بزمان الموت، وبما أنّنا نحتمل كون هذا الزمان عبارة عن الساعة الثالثة إذن نحتمل انفصاله عن ساعة اليقين بعدم الإسلام، وهي الساعة الاُولى بالساعة الثانية، فاحتمال الفصل في هذا التفسير ليس بنكتة احتمال وقوع الإسلام المعلوم بالإجمال في الساعة الثانية كي يرجع إلى دعوى كون العلم الإجمالي ناقضاً لليقين السابق، بل بنكتة أنّ زمان الشكّ في الإسلام مقيّد بحالة موت الأب ؛ لأنّ الموضوع هو إسلام الابن أو عدمه حال موت الأب، ويحتمل كون هذا القيد غير موجود في الساعة الثانية، فتصبح الساعة الثانية فاصلة بين زمان اليقين وزمان الشكّ.وأورد (رحمه الله) على هذا التفسير (لو كان مقصود المحقّق الخراساني (رحمه الله)):

أوّلاً: بأنّ تقيّد زمان الشكّ بزمان موت الأب إنّما قد يتبادر إلى الذهن لو فرضنا الموضوع عبارة عن إسلام الابن المقيّد بزمان موت الأب من دون إرجاع هذا العنوان إلى العنوان المشير إلى واقع الزمان، ولو كان الأمر كذلك لخرج عن محلّ البحث ؛ لأنّه عندئذ لا يجري الاستصحاب في ذاته وبقطع النظر عن هذه المناقشة الجديدة على ما تقدّم توضيحه.

أمّا لو جعلنا هذا العنوان مشيراً إلى واقع الزمان، وجعلنا الموضوع مركّباً لا مقيّداً، وهو المفروض، فزمان الشكّ متّصل بزمان اليقين، غاية الأمر أنّ زمان ترتّب الأثر على المستصحب قد تكون هي الساعة الثالثة، وتكون منفصلة عن زمان اليقين، ولا ضير في ذلك ؛ فإنّ الاستصحاب إنّما يكون مشروطاً بترتّب الأثر في حال تمسّكنا بالاستصحاب، لا في تمام عمود الزمان من لدن انتفاء اليقين إلى زمان التمسّك بالاستصحاب.

وثانياً: بالنقض بحالة كون أحد الحادثين معلوم التأريخ والآخر مجهوله، حيث اعترف الآخوند (رحمه الله)بجريان الاستصحاب في مجهول التأريخ عندئذ، بينما لو تمّ إشكاله السابق لجرى في هذه الحالة أيضاً، فلنفترض أنّنا نعلم أنّ موت الأب وقع في الساعة الثالثة ولا نعلم أنّ الابن هل كان في تلك الساعة باقياً على الكفر ثمّ أسلم أو كان مسلماً في تلك الساعة ؛ لأنّه كان قد أسلم في الساعة الثانية مثلاً، فالأثر يكون للإسلام أو الكفر الثابت في خصوص الساعة الثالثة؛ لأنّها ساعة موت الأب المقيّد به الموضوع، فظرف الشكّ إذن هو تلك الساعة ؛ إذ لا معنى للشكّ في المقيّد بلحاظ زمان ما قبل القيد مثلاً، في حين أنّ ظرف اليقين بعدم الإسلام هو الساعة الاُولى، فالساعة الثانية أصبحت فاصلة بين زمان اليقين وزمان الشكّ.