المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

498

ولو اخترنا في البحث الأوّل عدم جريان الاستصحاب، وفي البحث الثاني الفرق بين مجهولي التأريخ ومجهوله مع معلومه، فانّما لا يجري الاستصحاب في مجهولي التأريخ، ويجري في مجهوله في مقابل معلومه، فعندئذ لو كان أحدهما معلوم التأريخ أجرينا الاستصحاب في الآخر وثبتت النجاسة او الطهارة، ولو كان كلاهما مجهولي التأريخ رجعنا إلى أصالة الطهارة أو القاعدة الميرزائيّة.

وأمّا بيان المختار في كلّ واحد من هذه الأبحاث الثلاثة: ففي البحث الثالث الصحيح هو إجراء أصالة الطهارة دون القاعدة الميرزائيّة ؛ لما نقّحناه فيما مضى من بعض الأبحاث من عدم صحّة تلك القاعدة، وليس هنا محلّ البحث عنها ؛ لأنّنا نتكلّم فعلاً من الناحية التطبيقية فحسب.

وفي البحث الثاني عرفت أنّ الصحيح هو التفصيل بين مجهولي التأريخ ومجهوله مع معلومه، على تحقيق وتفصيل مضى.

وفي البحث الأوّل عرفت أنّ الصحيح هو جريان الاستصحاب المثبت لأحد جزئي الموضوع إلى زمان الجزء الآخر، وعدم جريان الاستصحاب النافي لأحد الجزءين إلى زمان انتفاء الجزء الآخر؛ لكونه مثبتاً، ففي المقام يجري استصحاب عدم الكرّيّة إلى حين الملاقاة، ويثبت بذلك موضوع النجاسة إذا كانت دائرة احتمال حدوث الكريّة أوسع من دائرة احتمال حدوث الملاقاة، ولا يجري استصحاب عدم الملاقاة النافي للموضوع، لأنّه مثبت(1).

نعم، قد يقال فقهياً: إنّه كما أنّ الشارع حكم بالنجاسة على موضوع مركّب من عدم الكرّيّة والملاقاة كذلك حكم بالطهارة المطلقة (أي: حتّى بعد الملاقاة) على موضوع مركّب من الكرّيّة وعدم الملاقاة مع النجاسة قبل الكرّيّة، وذلك استظهاراً من قوله: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء) فيقال: إنّ المحمول في هذه القضية هو الطهارة المطلقة (أي: حتّى بعد


(1) لا يخفى أنّ الملاقاة في كلّ زمان موضوع لحصول الانفعال في ذاك الزمان، فكما أنّ الموضوع يتعدّد بتعدّد الزمان كذلك المتعلّق هنا يتعدّد بتعدد الزمان، فإنّ الانفعال الحادث في كلّ زمان غير الانفعال الحادث في الزمان الآخر، فانفعال الزمان الأوّل ينفى بأصالة عدم الملاقاة وانفعال الزمان الثاني ينفى بالعلم بالكرّيّة، فالنتيجة الصحيحة في هذا الفرع هي أنْ يقال: إنّ الاستصحاب يجري في الأوسع دائرة منها، فإن كانت احتمالات الكرّيّة أوسع دائرة، أي: احتملنا تأخّر الكريّة عن زمان نقطع بحصول الملاقاة إلى ذاك الزمان، جرى استصحاب عدم الكرّيّة، وإن كان العكس بأن كانت احتمالات الملاقاة أوسع دائرة ؛ أي: احتملنا تأخّر الملاقاة عن آخر زمان نحتمل تأخّر الكرّيّة إليه جرى استصحاب عدم الملاقاة، وإن تساوت الدائرتان لم يجرِ شيء من الاستصحابين، ووصلت النوبة إلى أصالة الطهارة.