المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

499

الملاقاة) والموضوع بالمقدار المذكور فيها هو الكرّيّة، لكنّنا نعلم من الخارج ثبوت جزء آخر له، وهو عدم الملاقاة والنجاسة قبل الكرية ؛ لأنّنا نعلم أنّ الماء النجس المتمّم كرّاً ليس معتصماً، وعليه فيجري ـ أيضاً ـ استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة لإثبات الطهارة.

ويرد عليه: أنّه ليس المستفاد من لسان قوله: (إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء) الحكم بالطهارة المطلقة، بمعنى أمر وجودي في مقابل النجاسة موضوعه مركّب من الكرّيّة وعدم الملاقاة قبل الكرّيّة، بل كلّما يستفاد منه هو نفي النجاسة بانتفاء موضوعها الذي كان مركّباً من عدم الكرّيّة والملاقاة، فيقول: إذا كان الماء كرّاً لم ينجس لانتفاء موضوع النجاسة، إذن فلا يجري استصحاب عدم الملاقاة.

والحاصل: أنّنا لو كنّا قد اخترنا في الفقه أنّه توجد عندنا ثلاثة أحكام: الأوّل: الحكم بالنجاسة، وموضوعه مركّب من الملاقاة وعدم الكرية، والثاني: الحكم بالطهارة المقيّدة بعدم الملاقاة، وموضوعه الماء القليل، والثالث: الحكم بالطهارة المطلقة (أي: حتّى بعد الملاقاة) وموضوعه مركّب من الكرّيّة وعدم الملاقاة قبل الكرّيّة، فعندئذ يجري استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة لإثبات الطهارة، لكنّنا لا نقبل هذا المبنى في الفقه، بل نقول: إنّه يوجد عندنا عامّ يدلّ على طهارة الماء، واستثني من هذا العام عنوان مركّب من غير الكرّ والملاقاة، وجعلت على هذا العنوان المركّب النجاسة، وعندئذ لا مجال لاستصحاب عدم الملاقاة ؛ لأنّه إن اُريد بذلك نفي موضوع النجاسة، فقد عرفت أنّه يرجع إلى نفي الجامع بنفي أحد فرديه بالاستصحاب منضمًّا إلى نفي الفرد الآخر بالوجدان، وهذا مثبت. وإن اُريد بذلك إثبات موضوع الحكم الثابت في العامّ، وهو الطهارة، قلنا: إنّ العامّ بعد التخصيص لم يتقيّد بعدم الملاقاة إلى حين الكرّيّة مثلاً، حتّى يقال: إنّنا نثبت هذا الجزء بالاستصحاب، وإنّما تقيّد بعدم مجموع الجزءين، أي: مجموع عدم الكرّيّة والملاقاة، فإنّ العام إذا خصّص بمخصّص يتقيّد بنقيض عنوان المخصّص. إذن، فلو اُريد إثبات حكم العام يجب أن يحرز عدم المجموع، وعدم المجموع في الزمان الثاني، وهو زمان الكرّيّة يكون بعدم أحد جزءيه بالوجدان ؛ إذ هو كرّ وجداناً، وفي الزمان الأوّل وهو زمان عدم الكرّيّة يكون بعدم أحد جزءيه، أي عدم الملاقاة بالاستصحاب، فأيضاً رجع إلى نفي الجامع بنفي أحد فرديه بالاستصحاب منضمًّا إلى نفي الفرد الآخر بالوجدان، وهذا مثبت ؛ فإنّه لا فرق في مثبتية ذلك بين أن يكون ما يترتّب على نفي الجامع هو نفي حكم أو إثبات حكم، وإنّما الذي لا يكون مثبتاً هو إثبات الموضوع المركّب بإثبات أحد جزءيه وجداناً والجزء الآخر بالاستصحاب.