المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

500

الفرع الثاني: أن يكون الماء مسبوقاً بالكرّيّة، ثمّ عرضت عليه القلّة والملاقاة، ولا نعلم السابق من اللاحق.

فقد يقال: إنّه لو كانا مجهولي التأريخ جرى استصحاب الكرّيّة واستصحاب عدم الملاقاة، وتعارضا (أو لا يجري شيء منهما إذا كانا متساويين في سعة الدائرة مثلاً كما اخترنا).

ولو كان أحدهما مجهول التأريخ والآخر معلوم التأريخ (ولو بالمعنى الأعمّ الذي اخترناه، أي كان أحدهما أوسع دائرة والآخر أضيق، على ما مضى شرحه) جرى الاستصحاب في مجهول التأريخ.

والصحيح: أنّ شيئاً من الاستصحابين غير جار:

أمّا استصحاب عدم الملاقاة فلأنّه لا أثر له؛ إذ لا يثبت بذلك أنّ الملاقاة وقعت في زمان القلّة، إلاّ بالملازمة العقليّة للعلم بوقوع ملاقاة على أيّ حال.

وأمّا استصحاب الكرّيّة فإن قصد به نفي موضوع النجاسة فقد مضى أنّ الاستصحاب النافي في مثل المقام يكون مبتلىً بإشكال الإثبات(1). وإن قصد به إثبات موضوع الطهارة المطلقة فقد مضى أنّنا لا نقبل كون الكرّ موضوعاً للحكم بالطهارة المطلقة.

هذا تمام الكلام في الفرعين التمرينيّين.

ثمّ إنّنا حتى الآن كنّا نتكلّم في الاستصحاب بلحاظ حادثين: أحدهما جزء الموضوع والآخر عدم جزء الموضوع.

 

الاستصحاب في حالات توارد الحالتين

وهناك بحث آخر وهو بحث توارد الحالتين، وهو فرض ما إذا كان كلّ من الحادثين تمام الموضوع للحكم، أو كان هو الحكم نفسه.


(1) مضى منّا عدم الابتلاء بإشكال الإثبات؛ لأنّ النجاسة الحادثة في كلّ زمان غير النجاسة الحادثة في الزمان الآخر، فليس الهدف نفي أحد فردي الموضوع بالاستصحاب والآخر بالوجدان استطراقاً إلى نفي الجامع الذي حكمه النجاسة، بل هناك نجاستان تنفى إحداهما بنفي موضوعها بالاستصحاب، والاُخرى بنفي موضوعها بالوجدان، فيقال: إنّ هذا الماء حينما كان كرّاً يقيناً لم يتنجّس بالقطع واليقين، وفي زمان الشكّ في الكرّيّة لم يتنجّس أيضاً؛ لأنّه مستصحب الكرّيّة، وذلك فيما إذا كانت الملاقاة معلومة التأريخ مثلاً، وكان الشكّ في زمان سقوط الماء عن الكرّيّة.