المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

512

يكن يناسب البحث عنه هنا لعدم ارتباطه بقصّة الزمان، والعموم بلحاظ الأفراد الطوليّة، بل يجري حتّى في الأفراد العرضيّة، فإنّه على هذا التفسير يتّضح الفرق بين الأفراد العرضيّة والطولية، وهو أنّه لو أُخرج فرد عرضي من الأفراد لم يلزم من ذلك تخلّل العدم بين فردين من الحكم، وهذا بخلاف ما لو اُخرجت قطعة من الزمان.

نعم، قد يتصوّر أنّه يرد عليه ما مضى من أنّه لا توجد أيّ نكتة للتفصيل بين القطعة السابقة من الزمان على القطعة المستثناة والقطعة اللاحقة لتلك القطعة المستثناة، إلاّ أنّ الصحيح: أنّ هذا الإشكال ـ أيضاً ـ غير وارد هنا، فإنّه يمكن ترجيح القطعة السابقة بالفهم العرفي، فإنّه لو دار الأمر بين القطعة السابقة والقطعة اللاحقة فلا إشكال في تقدّم القطعة السابقة، وانصراف العامّ إلى القطعة الزمنيّة المتّصلة به دون القطعة المنفصلة، وهذا بخلاف الحال في التقريب السابق، فإنّه في ذاك التقريب لم يكن مبرّرٌ لدخول جزء الزمان مستقلاًّ في العامّ. وأمّا هنا فدخول جزء الزمان فيه معقول؛ لعدم تخلّل العدم، فلا تبقى إلاّ مسألة أنّه ما هو المرجّح للجزء السابق؟ فنجيب عنها بما عرفت من الترجيح العرفي.

وعلى أيّ حال، فلو اُريد هذا المعنى فهو خلط بين الوجود الخارجي والوجود اللحاظي، فإنّ غاية ما فرض أنّ الحكم كان له لحاظ واحد بالنسبة لكلّ فرد حينما ينسب إلى الأزمنة، وهذا العدم المتخلّل بين الفردين ليس عدماً بلحاظ عالم اللحاظ، وإنّما يتخلّل مثلاً بين الوجودين الخارجيين للحكم. وأمّا في عالم اللحاظ فبالإمكان لحاظ الكلّ ما عدا ما خرج بدليل المخصّص بلحاظ واحد، ولذا ترى أنّه لو كان المستثنى مثلاً يوم الجمعة فبإمكان المولى أن يقول: (يجب إكرام زيد في غير يوم الجمعة) فهذا عنوان واحد يشمل ما قبل التخصيص وما بعده، يلحظه المولى بلحاظ واحد(1).

التفسير الثالث: موقوف على مقدّمتين:

المقدّمة الاُولى: أنّ في تصوير الإطلاق وجهين: أحدهما أن يقال: إنّه عبارة عن رفض القيود، والآخر أن يقال: إنّه عبارة عن الجمع بين القيود، فإذا قال مثلاً: (أكرم العالم) فعلى الأوّل يكون الموضوع هو طبيعي العالم مع رفض قيد الطول والقصر مثلاً، فيسري الحكم إلى الطويل والقصير. وعلى الثاني إنّما يسري الحكم إلى الطويل والقصير؛ لأنّه اُخذ كلّ منهما


(1) لا يخفى أنّ الشيخ الإصفهاني (رحمه الله) ملتفت إلى هذا الإشكال، وقد أورده في كتابه. راجع نفس المصدر: ص220.