المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

525

عدم دخله يكون المشكوك عين المتيّقن، ويكفي كونه عينه على بعض التقادير.

بل لو أنّنا بقينا مصرّين على الصيغة الاُولى لهذا الشرط، وهي اشتراط كون المشكوك في فرض وجوده عين المتيّقن على كلّ التقادير لا على بعضها، لزم عدم جريان الاستصحاب حتّى في الحيثيات التعليلية ؛ لأن هذه الحيثية التعليلية على تقدير دخلها حتّى بقاءً في علّة الحكم يكون جعل النجاسة بعد زوال التغيّر ـ لا محالة ـ جعلاً آخر، والمسامحة العرفية إنّما تكون في جعل واحد، فالعرف يتسامح ويفترض القيد حيثيّةً تعليليّة ولكن لا يتسامح بأن يفترض الجعلين جعلاً واحداً. وعليه، فالمشكوك لم يصبح عين المتيّقن على جميع تقاديره.

وعلى أيّة حال فالصحيح هو الصيغة الثانية، أعني كون المشكوك على بعض تقاديره هو المتيّقن. وعليه، فنحن بحاجة إلى استيناف البحث عن نكتة عدم جريان الاستصحاب في الحيثيات التي يسمّونها حيثيات تقييدية بينما نرى الأصحاب يفتّشون عن نكتة جريان الاستصحاب في ما يسمّونها بالحيثيات التعليلية. إذن فالذي ينبغي أن يبحث في المقام يباين تماماً البحث الذي بحثوه.

فعلى منهج الأصحاب (رضوان الله عليهم) يقال: لو صار القرار على إحراز الوحدة بالدقّة العقلية أوجب ذلك انسداد باب الاستصحاب في الشبهات الحكمية مطلقاً ؛ اذ حتّى في فرض كون التغيّر حيثية تعليلية نحتمل كون المشكوك غير المتيّقن، ولكنّنا نقول: إنّه لو صار القرار على جعل العبرة بالوحدة بالدقّة العقلية انفتح باب جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية حتّى لو كانت الحيثية تقييدية؛ لأنّه إن كان التغيّر الفعلي في الواقع دخيلاً في الحكم، إذن فبحسب الدقّة العقلية يكون المشكوك غير المتيّقن، وليس بقاءً للمتيّقن حتماً، سواء فرضنا التغيّر الفعلي حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية ؛ إذ الحكم يرتفع بالدقة العقلية بارتفاع حيثيته ولو كانت حيثية تعليلية، وإن كان التغيرّ الفعلي في الواقع غير دخيل في الحكم إذن فبحسب الدقّة العقلية يكون المشكوك بقاءً لشخص ذلك المتيّقن ولو فرض التغيّر الفعلي على تقدير دخله حيثية تقييدية ؛ لأنّه على أيّ حال ليس بالفعل دخيلاً في الحكم، فالحكم بشخصه يبقى لا محالة، فإذا كان الحكم الشخصي المعيّن باقياً على تقدير عدم دخل التغيّر الفعلي، وغير باق على تقدير دخله، فالشكّ في دخله وعدم دخله ـ لا محالة ـ مساوق للشكّ في البقاء وعدم البقاء، ولا نحتاج في الاستصحاب إلاّ إلى الشكّ في البقاء.

هذا. ويمكن أن يقرّب كلام المشهور بأن يقال: إنّ الاستصحاب موضوعه الشكّ في البقاء، ومحموله التعبّد بالبقاء. والشكّ في البقاء وإن كان محرزاً في المقام بالبيان الذي عرفت،