المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

526

ولكن كون التعبّد تعبّداً بالبقاء غير محرز. وتوضيح المقصود هو: أنّ الاستصحاب ليس تعبّداً ببقائية الشيء بنحو مفاد كان الناقصة، وإنّما هو تعبّد بالبقاء بنحو مفاد كان التامّة بعد فرض بقائيته، فمثلاً لو أنّ زيداً كان في المسجد وشككنا في بقائه لم يمكن أن نثبت بالتعبّد بقاء ابن عمرو ما لم نعرف أنّ بقاءه بقاء لزيد بأن يكون ابن عمرو هو زيداً، وعندئذ نقول في المقام: إنّ نجاسة الماء بعد زوال تغيّره على تقدير عدم دخل التغيّر الفعلي في النجاسة هي بقاء لتلك النجاسة السابقة، وعلى تقدير دخله ليست بقاء لتلك النجاسة. إذن فنحن بالدقّة العقلية لم نحرز كونها بقاءً للنجاسة المتيقّنة، فلا يثبت شمول التعبّد الاستصحابي لها؛ لإنّ التعبّد الاستصحابي يتعلّق بما هو بقاء، وكون هذا بقاء غير معلوم.

والتحقيق: انّ هذا الإشكال إنّما يتمّ بناءً على مبنى جعل الحكم المماثل، بمعنى أنّ المولى يعبّد بحكم ويشترط فيه أن يكون مماثلاً لذلك الحكم المتيّقن، فيقال في المقام: إنّ الذي يعبّدنا المولى به وهو نجاسة الماء بعد زوال تغيّره لم نعلم مماثلته للحكم المتيّقن؛ إذ لو كان الحكم المتيّقن مطلقاً فهذا مماثل له، ولو كان مقيّداً بالتغيّر الفعلي فهذا ليس مماثلاً له، وليست هذه النجاسة التي عبّدنا بها بقاء لتلك النجاسة.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح المختار للمحقّق النائيني(رحمه الله) المشهور بين المحقّقين المتأخّرين بعده من أنّ الاستصحاب ليس تعبداً بالحكم المماثل بعنوانه بل هو حكم تعبّدي بعنوان آخر، ويكون عنوانه الإجمالي ـ على اختلاف صيغه الفنّية بالدقّة ـ عبارة عن التعبّد ببقاء المتيّقن، فنقول في المقام: إنّ المولى يشير إلى ذات الحكم الشخصي السابق المتيّقن، ويقول: أنت تحتمل بقاءه فأنا اُعبّدك ببقائه. وطبعاً ليس الشكّ في بقائية بقائه حتّى يقال: إنّ الاستصحاب لا يثبت بقائية الشيء بنحو مفاد كان الناقصة، وإنّما يثبت البقاء بنحو مفاد كان التامّة. نعم، شككنا في أنّ بقاء ذلك المتيّقن هل هو معقول أو مستحيل ؛ إذا على تقدير كون التغيّر الفعلي دخيلاً في ذلك الحكم يستحيل بقاؤه، فالمولى يعبّدنا ببقائه بنحو مفاد كان التامّة، واحتمال استحالة الشيء لا ينافي التعبّد به.

ثمّ إنّ شبهة احتمال عدم بقاء الموضوع في الشبهات الحكمية لها جواب آخر غير ما ذكرناه من منع لزوم العلم بالبقاء. وحاصله: انّنا لو سلّمنا لزوم العلم بالبقاء قلنا: إنّ العلم ببقاء الموضوع حاصل، وتخيّل عدم العلم به ينشأ من الخلط بين باب المفاهيم وعالم الجعل وباب المصاديق والوجود الخارجي والمجعول. ونوضّح ذلك بذكر مقدمة:

وهي: أنّنا لو لاحظنا باب المفاهيم فمفهوم الماء، ومفهوم الماء المتغيّر، ومفهوم الماء الفاقد