المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

529

وعليه فمتى ما كانت الوحدة ثابتة عرفاً وعقلاً فلا إشكال في الاستصحاب، والكلام في أنّه إذا ثبتت إحدى الوحدتين فقط فهل يجري الاستصحاب أو لا؟

التحقيق: أنّ الوحدة العقلية فقط لا تكفي في جريان الاستصحاب، وأنّ الوحدة العرفية فقط تكفي في جريان الاستصحاب، وهذا معناه أنّ العبرة وجوداً وعدماً بالوحدة العرفية ولا أثر للوحدة العقلية، فنحن عندنا مدّعيان: أحدهما إثباتي، وهو جريان الاستصحاب عند ثبوت الوحدة العرفية ولو لم توجد الوحدة العقلية، والآخر سلبي، وهو عدم جريان الاستصحاب عند ثبوت الوحدة العقلية فحسب.

وقد يتصوّر أنّ الصحيح يجب أن يكون هو العكس ؛ وذلك لأنّ الوحدة العرفية هي وحدة مسامحية، سامح فيها العرف في مقام التطبيق، والمسامحات العرفية إنّما تتبع في المفاهيم، وبعد أخذ المفهوم من العرف يطبّق ذلك المفهوم على المصاديق بالدقّة العقلية.

والجواب عن ذلك يكون بوجوه أكثرها يثبت مدّعانا بكلا جانبيه الإثباتي والسلبي، وبعضها يثبت مدعانا بأحد جانبيه:

منها: أنّ دليل الاستصحاب لم يؤخذ فيه مفهوم الوحدة حتّى يقال: إنّ مسامحة العرف في تطبيق هذا المفهوم غير حجّة، غاية ما هناك أنّ المولى حينما قال لا تنقض اليقين بالشكّ كان ملحوظه في متعلّق الشكّ هو عين متعلّق اليقين، ومن هنا نحن ننتزع مفهوم الوحدة، وبكلمة اُخرى: أنّ المولى كان يشير بالشكّ إلى الشكّ في المتيّقن، فكأنّما قال: لا تنقض اليقين بالشكّ في ذلك المتيّقن، وإن شئت فقل: إن المتكلّم لاحظ واقع الواحد، لا أنّه أخذ مفهوم الوحدة، وعندئذ إن كان المتكلّم يتكلّم ويلحظ بما هو فيلسوف دقّي، فهو يلحظ واحداً دقّياً فلسفياً، وإن كان يتكلّم ويلحظ بما هو إنسان عرفي ـ كما هو الواقع ـ فهو يلحظ واحداً عرفياً، وهذا الوجه يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو سلّمنا أنّ المولى أخذ في لسان دليل الاستصحاب وهو قوله (لا تنقض اليقين بالشكّ) مفهوم الوحدة فمن الواضح أنّ هذا المفهوم لم يؤخذ عن طريق ذكر كلمة الوحدة في الدليل، وغاية ما هنا أنّ يدّعى أنّ حذف المتعلّق أو ذكر كلمة النقض مثلاً يدلّ على أخذ مفهوم الوحدة، وعندئذ نقول: إنّ مثل حذف المتعلّق أو كلمة النقض لا يدلّ على أكثر من مفهوم الوحدة العرفية، وإن شئت فقل: إنّ كلمة النقض أو حذف المتعلّق ووحدة السياق لا يدلّ على مفهوم الوحدة، وإنّما يدلّ على مفهوم الاتّفاق في عمدة الأجزاء والصفات مثلاً، فإنّ ذلك يكفي في تبرير وحدة السياق واستعمال كلمة النقض، كما أنّ