المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

530

الوحدة الدقيّة لا تكفي لتبرير ذلك، وهذا ـ أيضاً ـ يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة ولو بأن يقال: إنّ وحدة السياق مثلاً تدلّ على أخذ هذا المفهوم حقيقةً لا على أخذ مفهوم الاتّفاق في عمدة الأجزاء والصفات، أو فلنفترض أنّ كلمة الوحدة موجودة في الرواية لكنّنا نقول مع ذلك: إنّ العبرة بالوحدة العرفية دون العقلية ؛ وذلك لأنّ المسامحات العرفية في التطبيق قد تسري إلى المفهوم، وتوسّع أو تضيّق المفهوم، وعندئذ تكون متّبعة لا محالة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فليست المسامحة العرفية في التطبيق في المقام من قبيل مسامحات العرف في التطبيق في الأوزان والمقادير، وإنّما هي من قبيل مسامحة العرف في ماهية الأشياء، حيث ينكرها عند ضئالتها، فمثلاً حينما توجد أجزاء صغار من الدم لا ترى إلاّ بالمجهر ينكر العرف وجود الدم ؛ لعدم إدراكه للمصداق، وهذا المسامحة في التطبيق سارية إلى المفهوم، فأصبح مفهوم الدم لا يشمل إلاّ ما يكون واجداً لدرجة مخصوصة من الحجم تُرى بالعين المجرّدة، وفيما نحن فيه ـ أيضاً ـ نقول: إنّ مفهوم الوحدة قد وسّعت في نظر العرف، فتشمل الوحدة العرفية حقيقةً، فمفهوم الواحد صادق حقيقة على جبل رأيناه مثلاً في سنة ثمّ رأيناه بعد مئآت السنين بالرغم من أنّه في خلال هذا الأمد الطويل قد تغيّر وتبدّل كثير من أجزائه، وأيضاً نقول: إنّ مفهوم الوحدة قد ضيّقت في نظر العرف، فلا تشمل الوحدة التي تكون فلسفية فحسب ولا تكون عرفية. وهذا الوجه أيضاً يثبت المدّعى بكلا جانبيه.

ومنها: أنّنا لو افترضنا أخذ مفهوم الوحدة في الكلام، وافترضنا أنّ المسامحة في التطبيق لم تسرِ إلى المفهوم، قلنا مع ذلك: إنّ المسامحة في التطبيق على قسمين:

1 ـ المسامحة الواضحة التي يعترف العرف بكونها مسامحة، كما في مسامحته في الوزن والمقدار. فيطلق الفرسخ مثلاً على مسافة أقلّ من الفرسخ بمقدار شبر، والاوقيّة على ما يقلّ عنها بمثقال، لكنّه لو سُئل العرف عن أنّ هذا هل هو فرسخ أو اوقية بالضبط لقال: لا، وقال: إنّما هو كذلك تقريباً. وفي هذا القسم لا تكون مسامحته متّبعة في الحكم الشرعي، ولا تكون حجة.

2 ـ المسامحة التي تَعبرُ على العرف ولا يلتفت إلى كونها مسامحة، ومسامحته في تطبيق مفهوم الوحدة ان تنزّلنا عن دعوى سرايتها إلى المفهوم فلا أقلّ من كونها من هذا القبيل، أي: إنّها سنخ مسامحة لا يعترف العرف بما هو عرف بأنّها مسامحة، بخلاف مسامحته في ما يقلّ عن الفرسخ بشبر، فلو سُئل العرف أنّ هذا الجبل هل هو عين الجبل الذي كان قبل مئآت