المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

532

بقي الكلام في شيء، وهو: أنّنا ـ كما عرفت ـ طرحنا في المقام أمرين متقابلين، فجعلناهما مداراً للبحث: أحدهما النظر العقلي، والثاني النظر العرفي، وتكلّمنا في تعيين أحدهما في مقابل الآخر، إلاّ أنّ الأصحاب قد طرحوا في المقام ثلاثة اُمور متقابلات: النظر العقلي، والنظر العرفي، والنظر الدليلي، فما هو محتوى هذا الأمر؟

إنّنا تارةً نفترض أنّا نتكلّم في تشخيص موضوع الحكم ابتداءً، وتعيين أنّ القيد الفلاني هل هو حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية، واُخرى نفترض أنّنا نتكلّم في قياس الباقي ـ على تقدير البقاء ـ إلى الحادث، ونرى أنّه هل يعتبر عين الحادث وبقاءً له، أو لا؟

فإن اخترنا في البحث الأوّل بالنسبة لقيد من القيود أنّه حيثية تعليلية، واخترنا في البحث الثاني أنّ ذهاب الحيثية التعليلية لا يضرّ بوحدة الباقي مع الحادث، جرى الاستصحاب، وإلاّ فلا.

فإن قصدوا إيقاع المقابلة بين الأنظار الثلاثة في البحث الأوّل، وهو تشخيص موضوع الحكم ابتداءً، فالذي يبدو: أنّه لا معنى لإيقاع المقابلة بين اُمور ثلاثة: الموضوع الدليلي، والموضوع العقلي، والموضوع العرفي ؛ لأنّ الفهم العقلي والعرفي إنّما هما يؤثّران في تشخيص مفاد الدليل، وليس الموضوع العقلي والعرفي شيئين في مقابل الموضوع الدليلي.

والبيان المَدْرَسي الذي يذكر في مقام توضيح هذه الاُمور الثلاثة المتقابلة هو أنّ الموضوع الدليلي يتعين على ضوء صيغة الدليل، فان معنى كون الحيثية تقييدية هو أنْ تكون في عالم الجعل مأخوذة قيداً ووصفاً للموضوع، ومعنى كونها تعليلية كونها مأخوذة في عالم الجعل شرطاً للحكم، لا قيداً للموضوع. وفي مقام تعيين ذلك بحسب النظر الدليلي نرجع إلى صيغة الدليل، فلو قال مثلاً: (الماء المتغيّر نجس) كان ظاهر ذلك أنّ التغيّر حيثية تقييدية، ومأخوذة في عالم الجعل وصفاً وقيداً للموضوع، ولو كانت الصيغة بلسان الشرط لا الوصف بأن قال: (الماء إذا تغيّر تنجّس) كان ظاهر ذلك أنّه حيثية تعليلية.

وأمّا بلحاظ الموضوع العقلي فجميع الحيثيات ترجع إلى الحيثيات التقييديّة ببرهان عقلي يفترض في المقام.

وأمّا بلحاظ الموضوع العرفي فالأمر يختلف باختلاف مناسبات الحكم والموضوع، فقد يرى العرف شيئاً حيثية تقييدية ولو اُخذ في لسان الدليل على نحو الشرطية، وقد يراه حيثية تعليلية وإن اُخذ في لسان الدليل على نحو الوصفية.

إلاّ أنّ فرض أشياء ثلاثة متقابلة بهذا البيان غير صحيح، فإنّ فهم مفاد الدليل ليس على