المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

538

وطبعاً لا مشاحّة في الاصطلاح، لكنّنا نقصد من كون ذلك داخلاً في الورود أنّ نكتة التقدّم في هذا القسم والقسم السابق واحدة، وهي إفناء الفرد من أفراد الموضوع، كما أنّ نكتة التقدّم في الورود والتخصّص واحدة.

الملاك الثاني، هو القرينية، بأن يتقدّم أحد الدليلين على الآخر باعتبار أنّ المتكلّم جعله قرينة على مراده من الدليل الآخر، وأوجب علينا الرجوع في فهم مراده إلى ذلك الدليل.

أمّا الكبرى وهي أنّه إذا كان الأمر هكذا تقدّم ذلك الدليل عليه، فهو أمر واضح، فإنّ المفروض أنّ المتكلم هو الذي فرض الرجوع في فهم مراده إلى الدليل الفلاني، وجعله قرينة على مراده من الدليل الأوّل، فتقديمه عليه يكون من القضايا التي قياستها معها.

وأمّا الصغرى وهي أنّه كيف يجعل ذلك قرينة عليه؟ فنقول: إنّ هذا على قسمين:

الأوّل: أنْ يكون المولى متصدّياً بالخصوص لبيان ناظرية هذا الدليل إلى الدليل الآخر، فيكون كما لو صرّح بأنّ الكلام الثاني منّي شارح لمرادي من الكلام الأوّل، كما قال بالنسبة لمحكمات الكتاب ومتشابهاته: إنّ المحكمات هنّ اُمّ الكتاب، وإنّها المرجع في مقام فهم المتشابهات، غاية ما هناك أنّه لم يصرّح في المقام بهذا النحو، إلاّ أنّه جعل في الدليل الثاني نكتة توجب ظهوره في النظر إلى الدليل الأوّل، وهذا ما يسمّى بالحكومة، وذلك يكون بأحد أنحاء عديدة:

1 ـ أن يكون بلسان التفسير بأي وأعني ونحو ذلك.

2 ـ أن يكون بلسان التنزيل، كأن يقول: (زيد عالم) أي: منزّل منزلة العالم، أو يقول: (زيد ليس عالماً) أي: منزّل منزلة غير العالم فإنّ التنزيل لا يكون إلاّ مع فرض أثر مسبقاً، فهو ـ لا محالة ـ ناظر إلى ذلك الأثر والحكم.

3 ـ أن يكون مضمون الدليل الثاني بنحو يتبادر إلى ذهن العرف منه لمناسبات الحكم والموضوع مفاد الدليل الأوّل، والفراغ عنه، مثاله: نسبة دليل نفي الحرج إلى أدّلة الأحكام الأوّلية، فإنّه لا يتبادر إلى الذهن من ملاحظة أدلّة الأحكام الأوّلية دليل نفي الحرج، لكنّه يتبادر إلى الذهن من ملاحظه دليل نفي الحرج الأحكام الأوّلية والفرغ عنها، ولعلّ نكتة ذلك في هذا المثال أنّ العرف لم يكن يترّقب من الشارع تخصيص أحكامه بخصوص صورة الحرج، بأن يقول مثلاً: (إذا أصبح الوضوء حرجياً عليك لشدّة البرد وجب عليك الوضوء) وإنّما الذي كان مترّقباً من الشارع هو أن تمتدّ نفس أحكامه الأوّلية بإطلاقها إلى صورة الحرج.