المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

542

يفني الأصل موضوع الأمارة ؛ إذ ليس من موضوعها عدم العلم حتّى يُفنى بالأصل.

ولكن يرد على ذلك: انّه إن قصد بعدم دخل الشكّ وعدم العلم في موضوع الأمارات عدم كونه مقدّر الوجود، فهذا مستحيل ؛ إذ لولا تقييدها بوجه من الوجوه بالشكّ للزمت حجّية الأمارة مطلقاً حتّى مع العلم بالخلاف، وهذا غير معقول، ولا يرتفع الإطلاق إلاّ بالتقييد.

وإن قصد بكون الشكّ مورداً للأمارات لا موضوعاً لها أنّه لم يؤخذ حيثية تقييدية وإنّما أخذ بنحو الشرط، أي: إنّه لم يقل: خبر الثقة حجّة على الشاكّ، وإنّما قال: خبر الثقة حجّة على الإنسان إن كان شاكّاً، قلنا: إنّ هذا يكفي في ورود الاُصول عليها؛ إذ على أيّ حال أصبح الشكّ وعدم العلم دخيلاً في الحكم بوجه من الوجوه، ومفروض الوجود، ولا نقصد نحن بالموضوع إلاّ هذا، والأصل يرفع ذلك لا محالة، فلا يبقى مورد للأمارة سواء سمّيتَ هذا الشكّ دخيلاً في الموضوع، أو سمّيته مورداً للأمارة، أو بأيّ اسم آخر.

وإن قصد بالموردية معنى آخر غير هذا فنحن لا نفهمه حتّى نناقشه.

وعلى أيّ حال فنحن نقول: إنّ الشكّ دخيل في حجّية الأمارة حتماً ولو بالنحو الذي قلناه من كونه مقدّر الوجود، وإلاّ لزم حجّية الأمارة في مورد العلم، وهذا يكفي في تحقّق الورود من جانب الأصل.

الاتّجاه الثاني(1)، هو جعل الفرق إثباتياً، وذلك بأن يقال: إنّ الشكّ وعدم العلم وإن كان مأخوذاً ثبوتاً في جعل الاُصول والأمارات معاً، لكنّه بحسب لسان الدليل قد ذكر قيد عدم العلم في أدّلة للاُصول دون أدّلة الأمارات، وهذا يوجب ورود الأمارات على الاُصول دون العكس.

وهذا له تقريبان:

التقريب الأوّل: أنّ يقال: إنّنا قد فرضنا أنّ المقصود بالعلم مثلاً حينما يأتي في كلام الشارع هو ما يراه علماً، وهو أعمّ من العلم الوجداني، وقد جاء في كلامه في أدلّة الاُصول قيد عدم العلم، إذن فينتفي موضوعها بالأمارة المفروض إيجادها للعلم التعبّدي. وأمّا أدلّة الامارات فلم يؤخذ في موضوعها عدم العلم بحسب لسان الدليل حتّى يقال أيضاً: إنّ


(1)هذا الاتّجاه بكلا تقريبيه الآتيين إنّما ينظر إلى الوجه الأوّل من الوجهين الماضيين لتقريب الورود بلحاظ اعتبارات خاصّة بالمتكلّم، أي: الوجه القائل بأنّ المتكلّم له اعتبارات خاصّة في العلم، لا في متعلّق العلم.