المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

543

المقصود هو عدم مطلق العلم ولو كان تعبّدياً، غاية ما هناك أنّ العقل أدرك أنّ جعل الأمارة إنّما يكون مع الشكّ وعدم العلم، وذلك ببرهان استحالة حجّيّة الأمارة مع العلم. وطبعاً هذه الاستحالة العقلية إنّما تختصّ بفرض وجود العلم الوجداني، والأصل لا يحقق علماً وجدانياً حتّى يُفني موضوع الأمارة.

ولكنّ هذا البيان إنّما يتمّ في فرضين:

1 ـ أن يفرض أنّ هذا المخصّص العقلي مخصّص منفصل، ولم يشكّل ارتكازاً كالمتّصل.

2 ـ أن يفرض أنّه شكّل ارتكازاً كالمتّصل، إلاّ أنّ هذا الارتكاز بنفسه يخصّص العامّ من دون أن يصرف الذهنَ إلى أخذ كلمة (عدم العلم) مثلاً في الدليل بأن يكون المتكلّم كأنّه صرّح به، وإنّما حذفه اعتماداً على هذا الارتكاز.

وأمّا لو فرض أنّ هذا المخصّص المتّصل الارتكازي يصرف الذهن إلى كلمة محذوفة تعبّر عنه بتعبير عرفي، وطبعاً ليس من اللازم أن يكون مفاد تلك الكلمة مساوياً لمفاد ذلك الارتكاز حتّى تختصّ بالعلم الوجداني، بل تكون أكبر منه باعتبار أنّ الكلمة العرفية التي يمكن انسباق الذهن إليها في المقام، وتعدّ أنّ المتكلم كأنّه صرّح بها هي كلمة (عدم العلم) مثلاً، وهي حسب الفرض تفيد نفي العلم الوجداني والتعبدي معاً، فيصير التوارد ـ أيضاً ـ من الطرفين ؛ لأنّه في الحقيقة أخذ قيد عدم العلم في لسان الدليل من كلا الطرفين.

التقريب الثاني: أن يقال: إنّ دليل الأصل اقترن بقرينة متّصلة منعته عن إفادة جعل العلم، فلا يكون رافعاً لموضوع الأمارة، لكنّ دليل الأمارة لم يقترن بتلك القرينة، فهو يجعل العلم ويرفع موضوع الأصل، وتلك القرينة هي أخذ عدم العلم قيداً في موضوع دليل الأصل، فإنّ هذا يمنع عن إفادة الأصل جعل العلم، وإلاّ وقع التهافت بين الموضوع والمحمول.

وفيه: إنّ الموضوع إنّما هو عدم العلم من غير ناحية هذا الجعل، لا مطلقاً، فلا يكون أيّ تهافت بين الموضوع والمحمول.

بقي هنا سؤال، وهو: أنّه هل من الصحيح أنّ عدم العلم لم يؤخذ في دليل الأمارة بغضّ النظر عن المخصّص العقلي، واُخذ في لسان دليل الأصل، أو لا؟

وهذا يرتبط بالفحص عن أدلّة حجّية الأمارة والأصل ؛ فإن فرضنا أنّ دليل حجّية الأمارة منحصر بمثل قوله: (يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني) صحّ ذلك في الأمارة، وإن أتممنا دلالة مثل قوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) كما أتمّ المشهور دلالة هذه الآية، فعندئذ إن فرض أنّ الدليل الذي اُخذ فيه عدم العلم ليس فيه مفهوم يقيّد