المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

544

باقي أدلّة حجّية الأمارة كفى في الإطلاق ذلك الدليل الذي لم يؤخذ فيه عدم العلم، وإن فرض أنّ القضية ذات مفهوم لكونها قضية شرطية مثلاً، إذن فيقيّد بها باقي الأدلّة، ونبتلي مرّة اُخرى بالتوارد من كلا الطرفين.

هذا في جانب الأمارة.

وأمّا في جانب الاُصول فيوجد مالم يؤخذ فيه الشكّ وعدم العلم، كما في بعض أدلّة قاعدة اليد، فإنّهم يقدّمون الأمارة عليها كما يقدّمونها على الاستصحاب والبراءة مثلاً.

والإنصاف: أنّ الإنسان العرفي يفهم أنّ تقدّم الأمارة على الأصل وعدمها غير مرتبط بصدفة من هذا القبيل، أعني وجود كلمة (لا تعلمون) مثلاً في دليل حجّية الأمارة وعدمه، وأنّ الأمارة تقدّم على الأصل سواء وجد مثل ذلك أو لا، فهذه كلّها تلفيقات.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ دعوى ورود الأمارة على الاُصول بلحاظ الاصطلاحات والاعتبارات الخاصّة للمتكلّم موقوفة على ثلاثة افتراضات:

1 ـ افتراض أنّ الشارع حينما يطلق كلمة العلم يقصد به ما هو يراه علماً(1) ونحو ذلك. وهذا شيء يأتي تحقيقه ـ إن شاء الله ـ في بحث التعادل والتراجيح.

2 ـ افتراض أنّ جعل الحجّيّة في الأمارات يكون بمعنى جعل العلم. وهذا شيء مضى تحقيقه في بحث الأحكام الظاهرية.

3 ـ افتراض نكتة للفرق بين الأمارات والاُصول. وهذا ما تكلّمنا عنه هنا.

فإن تمّ مجموع هذه الاُمور (وهو غير تامّ) تمّ الهيكل العامّ لدعوى الورود في المقام.

على أنّه بعد فرض تماميّة هذه الاُمور يوجد هنا إشكال بالإمكان إثارته في المقام، إلاّ أنّنا نؤجّله إلى تقريب حكومة الأمارت على الاُصول ؛ لأنّه إشكال مشترك بين الورود والحكومة.

وعلى أيّ حال، فقد تحصّل عدم تماميّة الورود(2).

واما الجهة الثانية، وهي في تقدم الامارات على الاصول بملاك القرينيّة فنقول قد


(1) هذا في الصيغة الاُولى من صيغتي دعوى الورود بلحاظ المصطلحات الخاصّة للمتكلّم. أمّا في الصيغة الثانية فافتراض إدخال رؤية المتكلّم في تفسير الكلمة إنّما يكون في متعلّق العلم، لا في العلم.

ولعلّ هذا يدخل فيما هو المقصود بما ورد في المتن من كلمة (ونحو ذلك).

(2) سيأتي في بحث تقدّم الاستصحاب على الاصل تقريب آخر لورود الأمارة على أصل البراءة، يذكره اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) ويتبنّاه، إلاّ أنّه لا يثبت به ورود الأمارة على الاستصحاب.