المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

546

المقصود الواقعي هو إقامة المؤدّى مقام المقطوع، لا إقامة الأمارة مقام القطع ؛ لأنّ الأثر الشرعي إنّما هو للمقطوع، وأمّا أثر القطع وهو التنجيز والتعذير فهو أثر عقلي، لا يمكن للشارع إثباته على الأمارة بالتنزيل، فيلزم من إقامة الأمارة مقام القطع الموضوعي والطريقي معاً الجمع بين النظر الآلي والاستقلالي، وهو محال.

ونحن قد أجبنا على هذا الإشكال في محلّه حتّى مع فرض الانطلاق من فكرة التنزيل، لكنّ المقصود هنا إبراز قوّة الورود في مقابل الحكومة من هذه الناحية، فنقول: إنّ هذا الإشكال لو تمّ فإنّما يتمّ في الحكومة، لا في الورود ؛ لأنّه في الحكومة يكون النظر إلى الآثار، والأثر الشرعي تارة يكون للقطع، واُخرى للمقطوع. وأمّا الورود فلا ينظر إلى الآثار، وإنّما يجعل ويعتبر الأمارة علماً، فيثبت لها الآثار بشكل طبيعي حسب ما يفرض من أنّ الأثر الشرعي للعلم جعل على كلّ ما يراه الشارع علماً، وإنّ الأثر العقلي للعلم وهو انقطاع قاعدة قبح العقاب بلا بيان أثر يرتّبه العقل على كلّ ما يراه الشارع علماً ولو لم يكن علماً تكويناً، فلا يقبح العقاب عند وجود علم من هذا القبيل.

الامتياز الثاني: أنّه في الورود يتمسّك لإثبات الآثار على الموضوع الجديد بالدليل المورود لا بالدليل الوارد، وفي التنزيل يتمسّك لإثبات الآثار عليه بالدليل الحاكم دون المحكوم، حيث إنّه في باب الورود ليس الدليل الوارد ناظراً إلى الآثار أصلاً، والدليل المورود قد أثبت الآثار ـ حسب الفرض ـ حتّى للفرد الاصطلاحي الاعتباري للموضوع، وفي باب الحكومة يكون دليل التنزيل ناظراً إلى الآثار، والدليل المحكوم لا يثبت الآثار للفرد التنزيلي، وإنّما يثبته للفرد الحقيقي، ويترتّب على ذلك أنّه لو كان للموضوع آثار عديدة فترتيب تلك الآثار جميعاً في الحكومة على الموضوع التنزيلي موقوف على استفادة الإطلاق من دليل التنزيل، فلو كان وارداً مثلاً في مورد أحد الآثار، ولم يكن له إطلاق لباقي الآثار لا يثبت باقي الآثار. وأمّا في الورود فالدليل الوارد لا حاجة إلى إثبات إطلاق فيه، وهو أصلاً لا ينظر إلى الآثار، بل بمجرّد أنّه يعتبر الفرد داخلاً في الموضوع الفلاني يترتّب عليه كلّ الآثار. وهذا يشكّل في المقام عامل قوّة للورود ليس موجوداً في الحكومة.

وتوضيحه: أنّ أهمّ أدلّة حجّيّة الأمارات، أو من أهمّها هو السيرة العقلائية الدالّة على حجّية خبر الثقة، والظهورات، وهذه السيرة لو فرضت بنحو الورود أي: إنّها تجعل وتعتبر الأمارة علماً (والمفروض أنها ممضاة من قبل الشارع بالسكوت) فلا محالة يترتّب على الأمارة كلّ آثار العلم. ومنها قطع الاُصول، فتصبح واردة على الاُصول ؛ لأنّ المفروض في