المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

547

تقريب الورود أنّ دليل الأثر وهو دليل انقطاع الأصل بالعلم جعل الأثر على مطلق أفراد العلم ولو كانت اعتبارية وجعلية. وأمّا لو فرضت بنحو الحكومة، أي: إنّ السيرة نزّلت الأمارة منزلة العلم، فهنا ينفتح باب البحث عن أنّ هذا التنزيل له إطلاق لآثار العلم الموضوعي، أو لا. فقد يقال مثلاً: إنّ هذه السيرة دليل لبّيّ نقتصر فيه على القدر المتيّقن، وإنّ القدر المتيّقن هو كون الأمارة بمنزلة العلم في آثار العلم الطريقي، وليس عند العقلاء علم موضوعي حتّى نرى أنّهم يرتّبون أثره على الأمارة، أو لا.

الامتياز الثالث: أنّك قد عرفت أنّ الورود له تقريبان ؛ لأنّنا في الورود ندّعي أنّ الأصل ينقضه مجرّد حصول العلم ولو العلم الاعتباري وبالحكم الواقعي، ولو حكماً اعتبارياً، فيكفي في الورود فرض اعتبار الأمارة علماً، ويكفي فيه ـ ايضاً ـ فرض اعتبار المؤدّى واقعاً، فيمكن أن يتمّ الورود سواء كان المبنى في دليل الأمارة هو مبنى جعل الطريقية، أو كان المبنى فيه هو مبنى جعل المؤدّى واقعاً. وامّا في الحكومة فتتمّ الحكومة لو بنينا على مبنى تنزيل الأمارة منزلة الطريق والعلم. أمّا لو بنينا على تنزيل المؤدّى منزلة الواقع فقد يقال أيضاً: إنّه تتمّ الحكومة ؛ لأنّه لو صار المؤدّى منزّلاً منزلة الواقع فالعلم به يكون بمنزلة العلم بالواقع، لكن هنا يأتي إشكال المحقّق الخراساني(رحمه الله) من أنّه لا ملازمة بين جعل المؤدّى بمنزلة الواقع وجعل العلم به بمنزلة العلم بالواقع، فمثلاً لو نزّل زيد منزلة عمرو في الآثار ليس معنى ذلك تنزيل ثوبه منزلة ثوب عمرو في الآثار أيضاً.

نعم، لنا شيء من التمحيص لهذا الإشكال، وهو: أنّ هذا الإشكال إنّما يتمّ لو كانت غاية الأصل عبارة عن العلم بالواقع بنحو التقييد، وأمّا لو كانت غايته بنحو التركيب، أي: كانت عبارة عن العلم بالحرمة مثلاً، وكون تلك الحرمة حرمة واقعية، فتتمّ الحكومة ؛ لأنّ الجزء الأوّل من الموضوع وهو العلم بالحرمة ثابت بالوجدان، وأعني بذلك العلم بالمؤدّى والحرمة الظاهرية، والجزء الثاني وهو كون ذلك المؤدّى أو تلك الحرمة حرمة واقعية ثابت بالتنزيل.

والظاهر أنّه بذكر هذه الامتيازات الثلاثة اتّضح الورود والحكومة في المقام بحدودهما بشكل عميق.

وبعد هذا نقول: إنّه لو سلّمت للافتراضات التي يتوقّف عليها الورود أو الحكومة التنزيلية في المقام، قلنا مع ذلك: إنّه لا يتمّ الورود ولا الحكومة، وذلك لورود إشكال مشترك عليهما، ونستعين في توضيح هذا الإشكال باستذكار شيء مضى في بحث حجّيّة خبر الواحد فنقول: