المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

548

مضى في بحث حجّيّة خبر الواحد الاستدلال على حجّيّته بالسيرة العقلائية، واعتراض على ذلك برادعية الآيات الناهية عن العمل بغير العلم، وأجابت مدرسة الميرزا(رحمه الله) عن ذلك بأنّ السيرة تتقدّم على الآيات ؛ لأنّ الآيات تنهى عن العمل بغير العلم، والسيرة تثبت أنّ خبر الواحد علم، فتنفي موضوع الآيات، ونحن أجبنا عن ذلك بأنّه لو كان جعل الحجّية معناه جعل العلم والطريقية، فمفاد الآيات الناهية عن العمل بغير العلم (التي لا تدلّ على النهي التحريمي النفسي من قبيل حرمة شرب الخمر، وإنّما ترشد إلى عدم الحجّيّة حسب الفرض) هو الإرشاد إلى عدم كون خبر الواحد علماً، فهي تعارض السيرة، وتكون في عرضها، لا محكومةً لها. وعليه، فالآيات تردع عن السيرة.

نعم، قلنا هناك: إنّه مع ذلك لا تصلح الآيات للردع ؛ لأنّ سيرةً عميقةً في نفوس العقلاء من هذا القبيل لا يكفي في ردعها إطلاق آية من هذا القبيل التي وقع البحث مئآت السنين بين العلماء في أنّها هل تردع أو لا، وإنّما ردعها يجب أن يكون من قبيل الردع عن القياس ردعاً واضحاً منصوصاً بنصّ متظافر.

وبعد التذكير بهذا المقطع نقول: إنّ لنا فيما نحن فيه كلاماً من سنخ الكلام الذي مضى في بحث خبر الواحد، فنقول: إنّ أدلّة الاُصول لو كان مفادها المطابقي هو جعل الحلّية الظاهرية المغياة بالعلم، كما يقال مثلاً في أصالة الحل، وكانت تدلّ عندئذ على نفي حجّية الخبر المعارض لها بالملازمة، صحّ أن يقال: إنّ دليل جعل الخبر علماً رافع لموضوعها بالورود أو الحكومة، ولكن من الواضح في جلّ أدلّة الاُصول عدم كون الأمر كذلك، فقوله مثلاً: (رفع ما لا يعلمون) لا يدلّ ابتداءً على جعل حلّية ظاهرية مغياة بالعلم، وبالملازمة على نفي حجّيّة الأمارة، بل يدلّ ابتداءً على نفي الإلزام والتسجيل، أي: على نفي حجّية الأمارة بأيّ لسان من ألسنة جعل الحجّية، من جعل العلم والطريقية وغير ذلك، فهو في عرض دليل جعل الأمارة علماً، ويتعارضان.

فإن قلت: إنّ هذا الإشكال إنّما يتمّ على الحكومة، وأمّا على الورود فلا يتمّ هذا الإشكال؛ لأنّ معنى (رفع ما لا يعلمون) على الورود هو (رفع ما لا أراه علماً) ودليل حجّية الخبر يقول: إنّي أرى الخبر علماً، وبهذا يتّضح ـ أيضاً ـ عدم تماميّة هذا الإشكال على مدرسة الميرزا في مبحث حجّية خبر الواحد لو كان مقصودهم دعوى ورود السيرة على آيات النهي عن العمل بغير العلم.

قلت: المفروض أنّ الحجّيّة معناها جعل العلم والطريقية، ورفع ما لا يعلمون يعني عدم