المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

553

العقلائية الدالّة على حجّيّة خبر الثقة بعدم الردع، ونحن نطمئنّ بأنّ أصالة الطهارة لم تجعل في السنوات الاُولى من البعثة، ونشكّ في أنّه هل سقط خبر الثقة عن الحجّيّة بعد ذلك أو لا، فنستصحب الحجّيّة.

هذه نكات خمس لتقديم الأمارة على أصالة الطهارة ؛ وبالإمكان ـ أيضاً ـ إبراز نكات اُخرى إضافية، إلاّ أنّنا تكفينا هذه النكات، كما تكفينا عن التكلّم في سائر الاُصول؛ لما قلنا من أنّ بعض هذه النكات على سبيل منع الخلوّ ثابت في أيّ أصل من الاُصول يفترض تعارضه مع الأمارة.

بقي هنا ثلاثة تنبيهات:

التنبيه الأوّل: قالوا: إنّ الأمارة تقدّم على الأصل ولو كان موافقاً لها. والوجه في ذلك ما ذهبوا إليه من الحكومة، وأنّ الأمارة ترفع موضوع الأصل، وهو الشكّ، وتورث العلم التعبّدي سواء كان الأصل موافقاً لها أو مخالفاً لها.

وهذا الكلام غير تام مبنىً وبناءً.

أمّا الأوّل فلما عرفت من أنّ تقدّم الأمارة على الأصل ليس بنكتة الحكومة أو الورود، وإنّما بنكتة التخصيص، والتخصيص فرع التعارض، وعند الموافقة لا تعارض حتّى يفترض التخصيص.

وأمّا الثاني فلأنّنا لو سلّمنا الحكومة قلنا: إنّ غاية الاُصول المأخوذة في أدّلتها إنّما هي العلم بالخلاف كما ترى في قوله: «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام»، وقوله: «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»، وقوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ، ولكن انقضه بيقين آخر». وطبعاً يقصد بذلك اليقين بالخلاف، إذن فالأمارة التي هي تخالف الأصل تحكم أو ترد عليه؛ لأنّها تفني موضوعه وتنجّز غايته بإيجاد العلم التعبّدي بالخلاف. وأمّا الأمارة الموافقة للأصل فلا تفني موضوعه ؛ إذ لا تورث العلم بالخلاف.

لا يقال: كيف لا يكون العلم مطلقاً، أي: سواء كان على وفق الأصل أو على خلافه غاية للأصل، مع أنّ المخصّص اللبّي موجود هنا، وهو يخصّص الأصل بصورة الشك وعدم العلم ؛ لاستحالة جعل الحكم الظاهري مع العلم، سواء كان مخالفاً للأصل أو موافقاً له. وعليه فالأمارة التي تثبت العلم تعبّداً تحكم على هذا الأصل وتوجد غايته.

فإنّه يقال: إنّهم قد اعترفوا بعدم حكومة الأصل على الأمارة، وأنّ الحكومة من طرف واحد، في حين أنّه لا فرق بينهما لو لوحظ المخصّص اللبّي، فإنّ المخصص اللبّي يخصّص الأصل