المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

556

بالحكومة (ولو كانا متوافقين) في موردين. وأمّا في غير الموردين فيعامل مع دليل الأصلين المتنافيين معاملة المتعارضين، ويطبّق عليهما سائر قواعد باب التعارض.

أمّا موردا الحكومة فهما ما يلي:

1 ـ أن يكون أحد الأصلين بحسب لسان دليله ملغياً للشكّ ومثبتاً للعلم بخلاف الآخر، وذلك من قبيل استصحاب الطهارة او النجاسة مع أصالة الطهارة.

2 ـ أن يكون أحد الأصلين سببيّاً والآخر مسبّبياً، فيقدّم السببي على المسببي ولو كان لسان كليهما رفع الشكّ وجعل العلم، كما في استصحاب طهارة الماء مع استصحاب نجاسة الثوب الذي طهّر به، فإنّ استصحاب طهارة الماء يلغي الشكّ في طهارة الماء وفي كلّ آثارها ومنها طهارة الثوب، ولكنّ استصحاب نجاسة الثوب لا يلغي الشكّ في نجاسة الماء.

أقول: إنّ لنا عدّة تعليقات على هذا الكلام.

التعليق الأوّل: يرجع إلى الأصلين المتوافقين، حيث نقول كما مضى: إنّنا لو سلّمنا مباني الحكومة والورود في الأصلين المتخالفين فذلك لا يتصوّر في المتوافقين ؛ إذ الأصل جعل مغيّى بالعلم بالخلاف، لا بالعلم بالوفاق، ويؤيّد عدم الحكومة والورود في المقام أنّه يلزم من ذلك، أي: من دعوى الحكومة بين الأصلين المتوافقين محاذير عرفية.

منها: في تقدّم الاستصحاب على أصالة الطهارة، فإنّه يلزم اختصاص قاعدة الطهارة بفرض نادر من قبيل توارد الحالتين ؛ إذ في غير مثل ذلك يجري: إمّا استصحاب الطهارة، وإمّا استصحاب النجاسة، ويقدّم عليها.

ومنها: في تقدّم الاستصحاب على أصالة البراءة وأصالة الحل، فمثل قوله: «رفع عن اُمتي ما لا يعلمون» الظاهر في الامتنان على الاُمّة يختصّ بخصوص مثل توارد الحالتين ؛ إذ في غيره يجري الاستصحاب الموافق للأصل أو المخالف له. وهذا ما لا يرتضيه العرف.

ومنها: في تقدّم الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي، فإنّ ذلك لا ينسجم مع دليل الاستصحاب نفسه، فإنّ صحيحة زرارة تستصحب الوضوء (بمعنى الطهارة الشرعية القابلة للدوام) في حين أنّه يوجد في موردها استصحاب عدم الحدث الذي هو أصل سببي.

ولا يتصوّر أنّ استصحاب عدم الحدث لا يثبت الطهارة، لأنّهما نقيضان، واستصحاب عدم أحد النقيضين لا يثبت الآخر، فإنّ الطهارة ـ كما أشرنا إليه ـ حكم شرعي واعتبار خاصّ مجعول يدوم إلى أن يصدر أحد النواقض، فيكون دوامه أثراً شرعياً لعدم صدور الناقض، وانتقاضه أثراً شرعياً لصدوره، فباستصحاب عدم صدور الناقض تثبت الطهارة.