المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

557

وكذلك الحال في صحيحة اُخرى لزرارة التي استصحب فيها طهارة الثوب مع أنّه يجري في المورد استصحاب عدم الملاقاة للدم الذي هو أصل سببي.

ولعلّ الإمام (عليه السلام) اختار الإصل المسببي في مقام الذكر لكونه ألصق إلى مقصود السائل من معرفة الحكم من الأصل السببي.

التعليق الثاني: يرجع إلى الأصل السببي والمسبّبي.

لا ينبغي الإشكال في أنّ الفهم العرفي يقتضي تقديم الأصل السببي على المسبّبي، ولذا ترى الفقهاء من قبل مئات السنين جيلاً بعد جيل يقدّمون الأصل السببي على المسبّبي بطبعهم الأوّلي قبل ولادة مدرسة الحكومة والورود واصطلاحات جعل العلم والطريقية. نعم، كانوا قد يخطأون فيعكسون مثلاً، أو يوقعون التعارض بينهما، لكنّ هذا من قبيل الأخطاء الاُخرى التي تصدر منهم أحياناً عند التطبيق، وكان الطبع الأوّلي لهم تقديم الأصل السببي على المسبّبي. إذن فأصل تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ينبغي أن يكون مفروغاً عنه، ويبقى الكلام في تكييفه الفنّي.

والتكييف الفنّي الذي اختارته مدرسة المحقّق النائيني (رحمه الله) هو الحكومة بالتقريب الماضي، إلاّ أنّه لو تمّ ـ وقد عرفت عدم تماميّته في بحث تقديم الأمارات على الاُصول ـ فإنّما يتمّ فيما لو كان الأصل السببي ممّا تدّعي مدرسة المحقق النائيني (رحمه الله) أنّه يجعل العلم والطريقية، فماذا يقولون فيما إذا لم يكن الأصل السببي من هذا القبيل؟! وذلك كما لو كان عندنا ماء متوارد الحالتين، فأثبتنا طهارته بأصالة الطهارة دون الاستصحاب ؛ لعدم جريانه عند توارد الحالتين، أو سقوطه فيه بالتعارض، وغسلنابه ثوباً متنجّساً، فإنّه لا إشكال هنا عند الأصحاب، وكذا عند مدرسة المحقّق النائيني (رحمه الله) فقهياً في تقدّم أصالة طهارة الماء على استصحاب نجاسة الثوب، مع أنّ أصالة الطهارة لا تجعل العلم، ولا ترفع الشكّ.

والسيّد الاُستاذ بعد أن رفع يده عن هذا التكييف أخذ بتكييف ثان لإثبات الحكومة، وهو: أنّ أصالة طهارة الماء مثلاً تنقّح موضوع الدليل الدال على كبرى أنّه كلّما غسل الثوب المتنجّس بالماء الطاهر طهر الثوب، وهذا الدليل يتقدّم بالحكومة على استصحاب النجاسة ؛ لكونه أمارة مقدّمة على الأصل(1).

وقد مضى منّا في بحث الأصل المثبت بيان أنّ الآثار في باب الاُصول لا تثبت بإطلاق


(1) مصباح الاُصول: ج3، ص256.