المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

559

وهو: أنّ أصالة الطهارة في الماء المستفاد من رواية: (كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر)(1)تقدّم على استصحاب بقاء الحدث والخبث بعد استعماله بالأخصّيّة ؛ وذلك لأنّ العدول عن صبّ التأمين على أثر من الآثار كجواز الشرب إلى صبّه على الطهارة التي هي موضوع لتلك الآثار يكون ظاهراً في أنّ النظر يكون إلى عدّة آثار، لا إلى أثر واحد، وفي طليعة آثار طهارة الماء رفع الحدث والخبث، إذن فلا يمكن فرض جريان أصالة الطهارة في الماء في نفسها بحكم تلك الرواية مع تقدّم استصحاب الحدث والخبث عليها، ولا يكفي فرض مورد نادر قد لا يجري فيه الاستصحاب لتوارد الحالتين.

ومنها: ما يعمّ جميع الموارد، وهو أنّ العرف بسذاجته يُسري الناقضيّة من مرحلة الثبوت إلى مرحلة الإثبات.

وتوضيح المقصود: أنّ طهارة الماء ـ مثلاً ـ ثبوتاً وواقعاً لا شكّ في أنّها تنقض نجاسة الثوب، ولا تزاحمها نجاسة الثوب، فالعرف يُسري هذه الحالة من مرحلة الثبوت إلى مرحلة الإثبات، فيرى أنّ إثبات طهارة الماء بأصالة الطهارة تنقض إثبات نجاسة الثوب باستصحاب النجاسة، ولا يقال: إنّ هذا البيان يأتي إذن في الأمارتين ـ أيضاً ـ إذا كانت إحداهما في جانب السبب والاُخرى في جانب المسبّب، فيجب أن تكون الأمارة الدالّة على طهارة الماء مقدّمة على الأمارة الدالّة على نجاسة الثوب، فإنّه يقال: إنّ كلاًّ من الأمارتين باعتبار حجّيّة مثبتاتها ولوازمها أمارة على السبب والمسبّب معاً، فيتعارضان.

التعليق الثالث: في الأصلين العرضيين المتعارضين.

وقد ذهبت مدرسة المحقّق النائيني (رحمه الله) إلى أنّه إن كان أحدهما يرفع الشكّ دون الآخر كما في استصحاب النجاسة واصالة الطهارة، تقدّم عليه بالورود أو الحكومة، وإلاّ ـ كما لو كان كلاهما استصحاباً أو أصلاً ـ تعارضا، وليس لنا هنا مزيد كلام في الورود أو الحكومة غير ما عرفته فيما سبق، وعرفت بطلانهما.

نعم هنا ذكر المحقّق العراقي (رحمه الله)(2) وجهاً آخر لحكومة الاستصحاب وهو: أنّ مفاد دليل الاستصحاب هو الأمر بالجري العملي على طبق آثار اليقين، والنهي عن نقض آثار اليقين (وبكلمة اُخرى: تنزيل الشكّ في الانتقاض منزلة اليقين بعدمه، لا في الآثار الشرعية، بل


(1) هذا فيما لو تمّ سند حديث قاعدة الطهارة الخاصّ بالماء.

(2) راجع نهاية الافكار القسم الثاني من الجزء الرابع ص 109 بحسب طبعة جماعة المدرسين بقم.