المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

570

التعبّد، فإذا كان موضوع دليل البراءة العقلية مثلاً هو عدم البيان ولو بالحجّة التعبّدية، فأيّ تناف بينه وبين دليل يثبت حرمة شيء بالتعبّد؟!

وكذلك الحال في الحكومة، كما في (لا ربا بين الوالد وولده) مثلاً مع دليل حرمة الربا، فإنّ دليل المحكوم يبيّن قضية شرطية، ودليل الحاكم ينفي تعبّداً الشرط، وأيّ تناف بين القضيّة الشرطية ونفي الشرط؟!

بل الحال كذلك في باب التخصيص بالرغم ممّا يتراءى من التنافي بين المدلولين فيه؛ وذلك لأنّ الدليل الخاصّ حاكم على دليل حجّيّة العامّ، فما هو المدلول الذي ينافي مدلول الخاصّ؟ إن كان هو مدلول دليل حجّيّة العامّ فهو محكوم له، وقد عرفنا عدم التنافي بين المدلولين في باب الحكومة، وإن كان هو مدلول العامّ فهو قد سقط مسبقاً بحكومة الخاصّ على دليل حجّيّته، فكيف يعارض الخاصّ حينئذ؟! وهذا يكون من باب تعارض الحجّة مع اللاحجّة؛ ولذا يعامل مع الخاصّ والعامّ معاملة الحاكم والمحكوم، فيقدّم الخاصّ ولو كان أضعف ظهوراً، كما يقدّم الحاكم ولو كان أضعف ظهوراً؛ لأنّه لا منافاة بين مدلولي الحاكم والمحكوم، فيؤخذ بكليهما، فيحكم الحاكم ـ لا محالة ـ على المحكوم ولو كان أضعف ظهوراً.

أقول: إنّ لنا هنا ثلاث كلمات:

الكلمة الاُولى: في منهج البحث.

والكلمة الثانية: مع المحقّق الخراساني(رحمه الله).

والكلمة الثالثة: مع مدرسة المحقّق النائيني(رحمه الله).

أمّا الكلمة الاُولى، وهي في منهج البحث. فنقول: إنّ مبحث التعادل والتراجيح فيه مسألتان أساسيّتان:

احداهما: هو حال الدليلين المتعارضين بالقياس إلى دليل الحجّيّة العامّ، فهل يسقطان معاً، أو يرجّح أحدهما، أو يخيّر بينهما مثلاً؟

والثانية: في أنّه هل يوجد دليل خاصّ على الحجّيّة في خصوص دائرة المتعارضين (وهو المسمّى بالأخبار العلاجية)، وما هو مفاده؟

فإن كان المقصود بتعريف التعارض تعريف موضوع البحث الأوّل، فطبعاً موضوعه هو كلّ دليلين وقع التنافي بين اقتضائي دليل الحجّيّة العامّ لشمولهما، سواء فرض تناف بين مدلوليهما أو دلالتهما، أو لا، كما في أمارتين مرخّصتين غير مثبتتين للوازمهما حصل العلم الإجمالي بالإلزام في مورد أحداهما، ومتى ما لم يفرض التنافي بين اقتضائي دليل الحجّيّة العامّ