المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

579

الحكومة راساً إلى قسمين(1):

1 ـ الحكومة في الأحكام الظاهرية بعضها على بعض. وقال: إنّ هذا يكون بملاك رفع الموضوع من قبيل حكومة دليل حجّيّة الأمارة على دليل الأصل، لأنّه يوجب العلم.

2 ـ الحكومة في الأحكام الواقعية بعضها على بعض، وقال: إنّ ذلك يكون بملاك النظر كما في حكومة (لا ربا بين الوالد وولده) على دليل حرمة الربا، حيث إنّ الأوّل ناظر إلى الثاني؛ إذ لولا الثاني للغا الأوّل.

وكأنّ مقصوده بذلك أنّ في باب الحكومة في الأحكام الواقعية دائماً يكون النظر موجوداً؛ إذ لولا المحكوم للغا الحاكم، في حين أنّه ليس الأمر كذلك في باب الأحكام الظاهرية؛ فإنّ دليل حجّيّة الأمارة لا يلغو وإن فرض عدم ورود (رفع ما لا يعلمون)، إلاّ أنّك ترى أنّه في باب الأحكام الواقعيّة ـ أيضاً ـ قد لا يلغو الحاكم لولا المحكوم، كما في حكومة دليل حجّيّة الأمارة وجعلها علماً ـ على مبناهم ـ على دليل حرمة الإفتاء بغير علم.

وعلى أيّ حال، فالحكومة لا تكون إلاّ بملاك النظر، وفرضها تارةً بملاك النظر، واُخرى بملاك رفع الموضوع ـ وكأنّها مشترك لفظي بينهما ـ غير صحيح. نعم، وسائل إثبات النظر تختلف كما مضى.

وأمّا ما ذكره ـ دامت بركاته ـ من فرض حكومة دليل الأمارة على دليل الأصل بملاك رفع الموضوع، فيرد عليه: انّه إن فرضت الغاية في الأصل مطلق ما يعتبره المولى علماً لا خصوص العلم الحقيقي، فالدليل الذي يجعل الأمارة علماً يكون وارداً عليه لا حاكماً، فإنّه يرفع موضوعه حقيقة. وإن فرضت الغاية فيه خصوص العلم الحقيقي اللغوي، فإن كان دليل جعل الأمارة علماً ناظراً إليه أصبح حاكماً عليه بملاك النظر، وإن لم يكن ناظراً إليه، وإنّما كان يدلّ على مجرّد فرض غير العلم واعتبارِه علماً، فهذا ليس له أيّ أثر، ولا يثبت آثار العلم بالدليل المحكوم؛ لأنّ الغاية المأخوذة فيه إنّما هو العلم الحقيقي دون الاعتباري، ولا بالدليل الحاكم؛ لأنّه لم ينظر إلى ذلك، وإنّما غاية ما صنع أنّه اعتبر وفرض اللاعلم علماً، وأيّ قيمة لذلك؟

 

النقطة الثانية في نكتة تقدّم الحاكم على المحكوم:

إنّ نكتة تقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم هي أنّ الحاكم له ظهوران: الظهور الأوّل


(1) راجع مصباح الاصول ج3 ص348 ـ 349.