المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

580

هو ظهوره فيما ينافي ظاهر المحكوم، فمثلاً يدلّ دليل حرمة الربا على حرمة كلّ ربا بإطلاقه، ويدلّ قوله: (لا ربا بين الوالد وولده) على عدم حرمة الربا بين الوالد والولد. وهذان الظهوران متعارضان. والظهور الثاني هو ظهوره ـ بحكم نظره إلى المحكوم ـ في أنّ المتكلّم يريد تقديم الظهور الأوّل على ظهور المحكوم، فيدخل ذلك في كبرىً عقلائية، وهي: أنّ من حقّ المتكلّم أن يجعل نظاماً خاصّاً في مقام تفهيم وتفهّم مقاصده، وإذا جعل ذلك كان متّبعاً، فلا محالة يتقدّم الحاكم على المحكوم.

هذا. وهناك تقريبان مشهوران لتقديم الحاكم على المحكوم:

التقريب الأوّل: أنّ الحاكم يرفع موضوع المحكوم، فالمحكوم الذي كان موضوعه عدم العلم مثلاً وقد جعل الحاكم العلم، لم يبقَ له مجال؛ لانتفائه بانتفاء الموضوع، وليس المحكوم متعرّضاً لإثبات موضوعه، فلا تعارض بينهما، فلا محالة يعمل بهما معاً.

ويرد عليه: أنّ دليل المحكوم إن فرض موضوعه عدم ما اعتبره المتكلّم علماً مثلاً، وكان دليل الحاكم يجعل العلم اعتباراً، فهذا رفع للموضوع تكويناً وحقيقة، ويدخل ذلك في باب الورود، لا الحكومة. وأمّا إن فرض أنّ موضوعه هو عدم العلم الحقيقي، فمجموع الدليل المحكوم مع دليل وجود الموضوع يكون معارضاً للدليل الحاكم، فيحتاج تقديم الدليل الحاكم إلى نكتة.

التقريب الثاني: أنّ الحاكم يتعرّض لشيء زائد لا يتعرّض له المحكوم، فالحاكم مثلاً يتعرّض إلى أنّ الربا بين الوالد وولده ليس ربا، إضافةً إلى تعرّضه لعدم الحرمة، لكنّ المحكوم يتعرّض فقط للحرمة، ولا يتعرّض لكون ذلك ربا، فيتقدّم الأوّل على الثاني.

ويرد عليه: أنّ مجرّد تعرّض الحاكم لشيء زائد، وهو مثلاً نفي كون هذا ربا لا يكون نكتة للتقدّم. نعم، هذا يستلزم النظر إلى المحكوم، فيتقدّم عليه بملاك النظر، ولذا حينما يوجد النظر وحده ولا يوجد تعرّض الحاكم لشيء زائد ترى أنّه يتقدّم ـ أيضاً ـ على المحكوم، وذلك من قبيل موارد الحكومة بمناسبات الحكم والموضوع، فدليل نفي الضرر مثلاً ينظر إلى أدلّة الأحكام الأوّلية، وتلك الأدلّة تشمل بالإطلاق صورة كون ذلك الحكم ضررياً، ودليل (لا ضرر) أيضاً يشمل ذلك بالإطلاق، فكلاهما يتعرّضان لشيء واحد، ومع ذلك يتقدّم الثاني على الأوّل لأجل النظر.

 

النقطة الثالثة في ملاحظات عامّة حول الحكومة:

وهي تستفاد من النقطتين السابقيتن. ونتعرض هنا لخمس ملاحظات: