المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

584

الثابتة عند تركّب المفردات بعضها ببعض، من قبيل حالة التكرار المفيدة للتأكيد مثلاً، والتقديم والتأخير، ووحدة السياق، ونسب الكلام بعضه مع بعض كالأعميّة والأخصيّة، وما إلى ذلك من الحالات السياقيّة، وقد تختلف الدلالة التصوّرية للحالة السياقية عن الدلالة التصوّرية للمفرد، ويكون عندئذ ما يستقرّ في النفس ويلتفت إليه تفصيلاً هي الصورة التي تعطيها الحالة السياقية وإن كان بالتحليل السيكولوجي قد مرّت النفس بتلك الصور الاُخرى، وطوتها إلى أن وصلت إلى الصورة التركبية، مثال ذلك أنّه حينما نسمع من المتكلّم: (رأيت اسداً يرمي) فكلمة (أسد) تعطي للذهن المعنى الحقيقي لأسد، كما أنّ كلمة (يرمي) تعطي للذهن المعنى الحقيقي للرمي، إلاّ أنّ الحالة التركيبية والسياقية بين أسد والرمي غير المنسجمة إلاّ مع الإنسان يمكن أن يفترض أنّها بالوضع(1) تنقش في الذهن معنى الرجل الشجاع، وهذه الصورة هي الصورة التي تستقرّ في الذهن، ويلتفت إليها تفصيلاً، دون صورة الحيوان المفترس.

هذا حال الدلالة التصورية، وكذلك الحال في الدلالة الاستعمالية، فتوجد دلالة استعمالية بعدد الدلالات التصورية، إلاّ أنّ الذي يلتفت إليه تفصيلاً هي الدلالة الاستعمالية وفق الدلالة التصورية السياقية. وأمّا الدلالة الجدّيّة فهي تتبع ما يستقرّ من الدلالة الاستعماليّة التابع لما يستقرّ من الدلالة التصوّريّة. إذن فتكون الدلالة الجدّيّة دائماً موافقة للمدلول السياقي عند اختلافه مع مداليل المفردات.

إذا عرفت هذه المقدمة قلنا:

إنّه لو قال المولى مثلاً: (اكرم العلماء، ولا تكرم النحويين) فهناك ثلاث دلالات تصورية: الاُولى: دلالة العامّ على العموم، والثانية: دلالة الخاصّ على الخصوص، والثالثة: دلالة الحالة


(1)قوله: (يمكن أن يفترض أنّها بالوضع) كأنّه إشارة إلى إمكان افتراض آخر أيضاً، وهو ما سيأتي في المقدّمة الرابعة من افتراض تخريج الأمر على أساس الأقوائية، بأن يقال: إنّه لمّا صعب على الذهن تصوّر الصورة التي يقتضيها مجموع كلمة (أسد) وكلمة (يرمي) ـ لو حملا على المعنى الحقيقي، وهي صورة حيوان مفترس يرمي بالنبل ـ اقتضى هذا المجموع أن يتّجه الذهن إلى الاستقرار على صورة ثالثة، وهي: إمّا صورة الحيوان المفترس الذي يرمي بالنظر مثلاً لا بالنبل، أو صورة الرجل الشجاع الذي يرمي بالنبل، أي إنّ أحد المعنيين المجازين لإحدى الكلمتين يبرز إلى الذهن بعد أن كان مغموراً تحت شعاع المعنى الحقيقي، وهنا يقع التزاحم بين اقتضاء كلمة (أسد) لاستقرار الذهن على الحيوان المفترس واقتضاء كلمة (يرمي) لاستقرار الذهن على الرمي بالنبل، فإذا كان الثاني أقوى تقدّم في التأثير بالأقوائية، وأدّى ذلك إلى استقرار الذهن على صورة الرجل الشجاع الذي يرمي بالنبل.