المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

588

جملة: (أكرم كلّ عالم، ولا تكرم النحويين) لو سمع ذلك من جدار؟ أفهل تدلّ كلمة (كلّ) هنا على شمول أفراد مراد المدخول مع أنّه لا إرادة للجدار؟! فهذا في الحقيقة لعب على حبلين: حبل الدلالة التصوّرية وحبل الدلالة التصديقية.

الوجه الثاني: كون تقديم الخاصّ على العامّ لأجل الأظهرية، حيث إنّ الخاصّ فيما يختصّ به صريح ولو نسبياً، والعامّ ظاهر فيه.

وهذا الوجه يرد عليه: أنّه لا يفسّر تقديم الخاصّ على العامّ في مورد تتفوّق أظهرية العامّ على الخاصّ، كما لو قال: (لا يجب إكرام أيّ عالم) و(أكرم النحويين) بناءً على ما هو المشهور من أنّ دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق، فهي أضعف من دلالة العامّ التي هي بالوضع، فلماذا لا يحمل الخاصّ على الاستحباب، ويحمل العامّ على من عدا النحويين؟

على أنّ هذا الوجه لو تمّ فإنّما يفسّر السؤال الأوّل، وهو: أنّه لماذا نقدّم الخاصّ على العامّ، ولا يفسر السؤال الثاني، وهو: حجّيّة العامّ في تمام الباقي، ولذا التجأوا في تفسير السؤال الثاني إلى بيان آخر، وهو: التبعيض في الدلالات التضمّنية، حيث يقال: إنّ قوله: (أكرم كلّ عالم) له دلالات تضمّنية بعدد أفراد العامّ، فسقط بعضها بالتخصيص، ولا موجب لسقوط الباقي.

هذا ما نسب إلى الشيخ الأعظم (رحمه الله) وحُمل على مرحلة الدلالة الاستعمالية، فاعترض عليه بما هو واضح من أنّ الدلالة الاستعمالية تكون بلحاظ الوضع، والوضع يكون في تمام المعنى مجموعاً، فالدلالة الاستعمالية هي دلالة واحدة بلحاظ المجموع، واذا سقطت فاللفظ قد استعمل في غير ما وضع له راساً، ومحتملاته عديدة، ولهذا سحب المحقّق الخراساني (رحمه الله)والسيد الاُستاذ وغيرهما هذا البيان إلى مرحلة الدلالة الجدّية، حيث إنّ هناك دلالات جدّية عديدة، فكلّ فرد داخل في الدلالة الاستعماليّة يكون ظاهر حال المتكلّم دخوله في الدلالة الجدّية، فإذا سقطت بعض الدلالات بقي الباقي.

إلاّ أنّ هذا البيان إنّما يتمّ مثلاً في العامّ الاستغراقي دون المجموعي (كما أشرنا إلى ذلك في أحد تنبيهات الاستصحاب في مسالة دوران الأمر بين عموم العامّ واستصحاب حكم المخصّص عندما فسّر كلام الشيخ، أي: تفصيله في حجّيّة العموم بين ما إذا كان الزمان مفرّداً وعدمه بكون العموم استغراقياً أو مجموعياً) ووجه ذلك هو: أنّه في العموم المجموعي يدلّ العامّ على وجوب إكرام زيد في ضمن مجموع العشرة مثلاً، وبعد فرض استثناء واحد من العشرة لو وجب إكرام زيد لوجب إكرامه في ضمن مجموع التسعة، وهذا لم يكن اللفظ