المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

590

هذا. والظاهر أنّ مقصودهم بقرينية الخاصّ للعامّ ليست هي القرينية بلحاظ المدلول التصوّري.

الثانية: هي القرينية في مرحلة الدلالة الاستعمالية، وذلك بأن يدّعى أنّ الخاصّ ناظر إلى العامّ، أي: إلى المدلول الاستعمالي للعامّ، فكأنّه فسّر مراده الاستعمالي للعامّ بمثل أي وأعني.

الثالثة: هي القرينية في مرحلة الدلالة الجدّيّة بأن يدّعى أنّ الخاصّ ناظر إلى العامّ، أي إلى مدلوله الجدّي، فيفسّر ما اُريد جدّاً من العامّ، من قبيل حكومة (لا ربا بين الوالد وولده) على أدلّة حرمة الربا، فإنّه ليس بصدد تفسير استعمال اللفظ في المعنى، وإنّما هو بصدد بيان الحكم، فهو ناظر إلى مرحلة الدلالة الجدّيّة.

وبناءً على هاتين القرينيّتين يصبّح الخاصّ حاكماً على العامّ بملاك النظر حكومة الدلالة على الدلالة، لا المدلول على المدلول، إلاّ أنّ فرقه عن باب الحكومة هو أنّ الحاكم ينظر إلى المحكوم بقرار شخصي من قبل المتكلّم، ولكنّ الخاصّ ليس فيه أيّ قرار شخصي يدلّ على نظره إلى العامّ، وإنّما يجب افتراض قرار وتعهّد نوعي بذلك مع أصالة جري كلّ شخص وفق هذا القرار بحكم الغلبة.

وهذا التفسير لتقدّم الخاصّ على العامّ تفسير معقول في نفسه، إلاّ أنّ ما اخترناه من وجود دلالة تصوّرية ثالثة سياقية هي التي تتمخّض عنها الدلالتان الأوّليتان، وهي التي تستقرّ في النفس وهي الدلالة على صورة العامّ المقتطع منه الخاصّ، يرفع موضوع هذا التفسير.

ثمّ إنّ هذا التفسير هل بالإمكان جعله جواباً على السؤال الثاني أيضاً، أو ليس كذلك؟

أصحاب القول بالقرينية لم يحاولوا تفسير السؤال الثاني على هذا الأساس، وإنّما لجأوا إلى تلك التكملة التي مضت، إلاّ أنّنا نقول:

إنّه لو فرض أنّ القرار والتباني النوعي وقع على جعل الخاصّ قرينة على إخراج مقدار مدلوله عن العموم، فالخاصّ إنّما هو قرينة على الجانب السلبي فقط، إذن فهذا لا يفسّر


وبما أنّ المنشأ الأوّل للتصوّر هو الوجود يصعب على الذهن الاستقرار على تصوّر وجود المتضادّين، فينتقل إلى صورة ثالثة كما هو الحال تماماً في (رأيت أسداً يرمي) حيث صعب على الذهن تصوّر حيوان مفترس يرمي بالنبل ؛ لعدم وجود ذلك في الخارج، فانتقل إلى صورة ثالثة.