المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

591

السؤال الثاني، وتقع الحاجة إلى تلك التكملة. وأمّا لو فرض أنّ التباني وقع على كون الخاصّ بذاته قرينة على الجانب السلبي وبحدّه قرينة على الجانب الإيجابي، وهو كون الباقي بتمامه مقصوداً، وأنّه لم يخرج من العامّ مقدار آخر، فهذا يفسر السؤال الثاني أيضاً(1).

ثمّ إنّه اشتهر فيما بينهم أنّ الخاصّ المتّصل يهدم ظهور العامّ بخلاف المنفصل الذي لا يهدم إلاّ الحجية. والمقصود بهدم الظهور ينبغي أن يختلف باختلاف هذه المسالك:

فعلى الاتّجاه الأوّل ينبغي أن يقصدوا الظهور في مرتبة الدلالة التصوّرية، حيث إنّ


(1) لا يخفى أنّ الصحيح عندنا أنْ تقدّم الخاصّ على العامّ يكون بالأقوائية، وهذه الدعوى طبعاً لا يمكننا البرهنة عليها، ولكن يمكن تقريبها إلى الذهن بأن يقال: إنّه لو فرض تقديم الخاصّ على العامّ بالقرينية لا بالأقوائية فهذه: إمّا قرينية بلحاظ الدلالة التصديقية، أو قرينية بلحاظ الدلالة التصوّرية.

أمّا القرينية بلحاظ الدلالة التصديقية فالمفروض أن تكون قائمة على اساس تباني العقلاء وتعهّدهم بجعل الخاصّ هو المفسّر للعامّ، دون العكس، مع أصالة كون المتكلّم متّبعاً لنفس طريقة العقلاء. وبعد وضوح أنّ العقلاء لم يجتمعوا في مؤتمر مثلاً يتبانون فيه على ذلك ويتعهّدون بذلك نقول: إنّ هذا التباني والتعهّد المتّفق عليه على غير ميعاد بحاجة إلى نكتة عقلائية أوجبت توافقهم على ذلك، وتلك النكتة هي التضادّ أو التنافر الموجود بين العموم والخصوص، إلاّ أنّ هذا نسبته إلى جرّ العقلاء نحو تأويل العامّ وفرض الخاصّ قرينة، وجرّهم نحو تأويل الخاصّ وفرض العامّ قرينة على حدٍّ سواء، إلاّ بالأقوائية فدعوى القرينية بلحاظ النظام العامّ للكلام لا بقرار خاصّ من قبل المتكلّم لا تتمّ إلاّ بنكتة الأقوائية.

وهذا التخريج يتمّ جواباً على السؤال الأوّل، وهو: لماذا يقدّم الخاصّ على العامّ؟ فالجواب: أنّه يتقدّم بالأقوائية، ولا يتمّ جواباً على السؤال الثاني، وهو لماذا يكون العامّ حجّة في الباقي؟

وأمّا القرينية بلحاظ الدلالة التصوّرية فالمفروض أن تكون قائمة على أساس نكتة في السياق، وتلك النكتة: إمّا هي الوضع، وعهدة دعواه على مدّعيه، أو هي طريقة تقبّل الذهن لصورة الخاصّ إلى صفّ العامّ، حيث يفترض أنّ الذهن ينتقل قهراً من هذا السياق إلى العامّ المقتطع منه الخاصّ، ولكنّنا لا نستطيع أن نصدّق فرضيّة عدم تقبّل الذهن للخاصّ إلى صف العامّ بغير الانتقال إلى العامّ المقتطع منه الخاصّ، إلاّ بنكتة المنافرة في الذهن بين صورتي العامّ والخاصّ، ولا أقصد بالمنافرة التضادّ حتّى يقال: إنّ التضادّ إنّما يكون في مرحلة التصديق لا في مرحلة التصوّر، بل أقصد بها أنّ عدم إمكان اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو الأساس الأوّل لخلق التصوّر في الذهن جعل تصوّرهما على مورد واحد غريباً على الذهن، سنخ ما مضى عن اُستاذنا (رحمه الله) من غرابة صورة (حيوان مفترس يرمي بالنبال) على الذهن، فالذهن يرفض رأساً هذه الصورة وينتقل إلى صورة اُخرى ينتجها التفاعل بين الصورتين الاُوليين، إلاّ أنّ هذه الصورة الاُخرى كما يمكن أن تكون عبارة عن صورة العامّ المقتطع منه الخاصّ كذلك يمكن أن تكون عبارة عن صورة عامّ مجتمع مع خاصّ استحبابي مثلاً، والذي لا يتنافر مع العامّ، ولابدّ لتعيين إحداهما دون الاُخرى من نكتة أيضاً، وليست تلك النكتة إلاّ الأقوائية. وهذا يفسّر لنا الجواب عن السؤال الأوّل، وهو: لماذا تقدّم الخاصّ على العامّ، وكذلك الجواب عن السؤال الثاني وهو حجّيّة العامّ في الباقي، فإنّ حدّ الخاصّ يصبح حدّاً لصورة العامّ المقتطع منه الخاصّ، ولا يفسّر لنا تقديم الخاصّ على العامّ لدى كونه أضعف منه. ونحن لا نؤمن بهذا التقديم.