المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

594

هناك شاهد حال أو مقال يشهد بأنّ له كلاماً واحداً يذكره بشكل متقطّع، وذلك من قبيل خطاب طويل يلقيه على جماعة في فترات بينها أكل الحلواء، أو أكل الغذاء، أو نحو ذلك، حيث يتعبون ويملّون لو استمر الخطاب دفعة واحدة الى الأخير، أو من قبيل اُستاذ يدرّس مطلباً واحداً في خلال أيّام عديدة، كلّ يوم يتكلّم ساعة إلى أن ينتهي ذلك المطلب، أو من قبيل أن يصرّح المتكلّم أو يُعرف من حاله أنّه سنخ شخص يقطّع في كلام واحد، فيذكر العامّ في وقت ويذكر الخاصّ في وقت آخر، فإنّه عندئذ يكون الخاصّ ـ بحسب عالم اقتناص المراد ومفهمه ـ متّصلاً حقيقة بالعامّ، بالرغم من الانفصال بحسب عالم الأصوات.

وهذا القسم لا يحتاج إلى مؤونة زائدة من الكلام غير ما مضى في المخصّص المتّصل، فإنّ مخصّصه هنا متّصل حقيقة بحسب عالم اللّغة واقتناص المراد.

الثانية: أن يعبّدنا المتكلّم بفرض منفصلاته متّصلات بلحاظ عالم الحجّيّة، أي: إنّ مخصّصه ليس متّصلاً حقيقة كما في الفرض الأوّل، فينعقد لعمومه ظهور في العموم، ولم يذكر أنّ لي كلاماً واحداً متقطّعاً، لكنّه يقول: إنّني اُنزّل المخصّص المنفصل منزلة المخصّص المتّصل في تقدّمه على العامّ في مرحلة الحجّيّة.

وهذا ـ أيضاً ـ لا يحتاج إلى مؤونة زائدة من البحث.

الثالثة: أن تصدر من هذا المتكلّم عمومات عديدة، وتصدر منه خصوصات معارضة لتلك العمومات، ويعلم إجمالاً بصدق بعض الخصوصات، وأنّ بعض هذه العمومات لم يقصد منه ظاهره، ولا يعلم إجمالاً بأنّه لم يقصد من بعض الخصوصات ظاهره، وعندئذ فتقديم الخصوصات على العمومات أرجح من العكس، فيتعيّن من دون محذور الترجيح بلا مرجّح، بخلاف العكس؛ وذلك لأنّه لو بني على تقديم العمومات فتقديم الجميع غير معقول؛ للعلم بكذب بعضها، وتقديم بعض دون بعض ترجيح بلا مرجّح.

فلا نحتاج في تقديم الخاصّ على العامّ إلى مؤونة زائدة أزيد من ذلك.

الرابعة: ما عدا هذه الحالات الماضية ويحتاج تقديم الخاصّ على العامّ فيه إلى استيناف بحث جديد، فنقول: لو ورد مثلاً (لا يجب إكرام أيّ عالم) وورد منفصلاً عنه (أكرم النحويين)، فهنا لا إشكال في أنّ المتكلّم خرج عن أصل عقلائي؛ وذلك لفصله بين كلامين ينبغي وصلهما؛ وذلك لأنّه قد جعل حتماً أحدهما قرينة على الآخر، فهما كلامان مرتبطان ينبغي وصل أحدهما بالآخر ـ ولو وصلاً تعبّدياً (على الأقلّ) بتنزيله للمنفصلات منزلة المتّصلات ـ وعندئذ لو كان ـ في الواقع ـ قد جَعَلَ الخاصَّ قرينة على تخصيص العامّ فهو لم