المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الخامس

595

يرتكب إلاّ مخالفة واحدة لأصل عقلائي، وهي ما عرفت من فصل كلامين ينبغي وصلهما، ولم يرتكب مخالفة اُخرى، ولذا ترى أنّه لو وُصل الكلامان أحدهما بالآخر لم يبقَ نقص في إفادة المراد، وهو العامّ المخصَّص.

وأمّا لو كان ـ في الواقع ـ قد جعل العامّ قرينة على إرادة الاستحباب من الخاصّ، فلم تقتصر مخالفته على الفصل بين كلامين ينبغي وصلهما، بل إضافةً إلى هذه المخالفة المتيقّنة صدرت منه مخالفة اُخرى، فأوّلاً افترض الكلامين المفصولين كأنّهما كلام واحد موصول. وهذه هي المخالفة الاُولى المتيقّنة، وثانياً جعل العامّ في هذا الكلام الواحد المفترض الوصول قرينة على إرادة الاستحباب من الخاصّ، في حين أنّه لا يصلح للقرينيّة على ذلك. ولذا لو وصلتَ أحدهما بالآخر لرأيت أنّ هذا الكلام الواحد لا يعطي معنى استحباب إكرام النحويين، وإنّما يعطي معنى العامّ المخصّص.

وهذا هو الروح الفنّي والتحرير الفنّي للقاعدة الميرزائية التي يُرسلها كأصل مسلّم، وهو: أنّ كلّما يكون في فرض الاتّصال قرينة يكون قرينة في فرض الانفصال، وكلّما لا يكون كذلك لا يكون كذلك(1).

 


(1) لا يخفى أنّنا إن فرغنا ابتداءً من الإحساس الوجداني العرفي في كلّ ما يكون قرينة لدى الاتّصال بقرينيّته لدى الانفصال (كما هو واضح في مورد الأقوائية وفي مورد التفسير بقرار خاصّ من قبل المتكلّم، كما في التفسير بأي وأعني وغير ذلك من موارد الحكومة) لم نحتج إلى تقريب هذه القاعدة للذهن بالتحليل الذي أفاده اُستاذنا(رحمه الله) من أنّ تقديم غير ما كان قرينة على فرض الاتّصال يستبطن مخالفتين، وتقديم ما كان قرينة على فرض الاتّصال لا يستبطن إلاّ مخالفة واحدة.

أمّا لو لم يكن لدينا إحساس مسبق من هذا القبيل فهذا التحليل لا يفيدنا شيئاً؛ لأنّه إن قصد به حقّاً دوران الأمر بين مخالفة ومخالفتين بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهذا أوّل الكلام؛ لأنّ كون ما هو قرينة عند الاتّصال قرينة عند الانفصال أوّل الكلام، ولو لم يكن قرينة عند الانفصال فحمل كلّ منهما على القرينيّة للآخر فيه مخالفة للاُصول العقلائية بقدر ما في الآخر.

وإن قصد به: أنّه وإن لم يكن الأمر بالدقّة من الدوران بين الأقلّ والأكثر في المؤونة وعدد المخالفة، ولكن جعل ما ليس قرينة عند الاتّصال قرينة عند الانفصال أشدّ مؤونة في نظر العرف من جعل ما هو قرينة عند الاتّصال قرينة عند الانفصال، قلنا: إنّ هذا ـ أيضا ـ غير واضح الصحّة. وتوضيح ذلك: أنّ قاعدة كون ما كان قرينة عند الاتّصال قرينة عند الانفصال يمكن تفسيرها بأحد وجهين:

الوجه الأوّل: أن يدّعى أنّ نكتة القرينية الموجودة في حال الاتّصال دائماً هي موجودة في حال الانفصال، إلاّ أنّها في حال الاتّصال كانت تهدم الظهور، وفي حال الانفصال تهدم الحجّيّة، أو أنّها في حال الاتّصال كانت تهدم الدلالة التصديقية الاستعمالية، وفي حال الانفصال لا تقوى إلاّ على هدم الدلالة التصديقيّة الجدّيّة كما يقوله